تُعتبر هذه القصة من القصص القصيرة التي صدرت عن الأديب والمؤلف آرثر كونان دويل، وقد تناولت في مضمونها عن أغرب القضايا التي واجهها المحقق هولمز، حيث أنها من جانب تبدو أن تلك القضية بسيطة ومن الممكن التوصل إلى كشفها في النهاية، إلا أنها من الجانب الآخر كانت من الأمور المعقدة جداً بالنسبة إلى المحقق، حيث أنه بعد أن كشف كافة الحقائق حولها، لم يتمكن من إخبار الضحية حول تلك الحقائق؛ وذلك خشية إصابتها في حالة من الاكتئاب واليأس.
قصة قضية هوية
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول حادثة اختفاء حصلت مع أحد الأشخاص، وقد كانت تلك الحادثة دارت قبل أيام قليلة جداً من يوم الزفاف الموعود لذلك الرجل والذي يدعى السيد هوسمر أنجل، حيث أن السيد هوسمر كان خطيباً لإحدى الفتيات والتي تدعى السيدة ماري سوثرلاند، وقبل موعد حفل زفافها على السيد هوسمر بوقت قصير حدث وأن اختفى تماماً، وحينما ذهبت للبحث عنه في كل مكان ممكن أن يتواجد به أو أن يقطن فيه أو يتردد عليه، إلا أنها كانت لم تجد له أي أثر، وحينها لجأت إلى كافة إلى الأشخاص المقربين منه للسؤال حول فيما إذا كان أحد منهم قد شاهده، إلا أنها لم يفيد أحد منهم بأي معلومة عنه، كما أنهم أشاروا إلى أنهم لم يسمعوا عنه شيئاً.
وقد كان ذلك الأمر ما أدخل خطيبته السيدة ماري في حالة من التوتر والقلق والاضطراب، كما أنها فكرت في حالة الحرج التي قد تصيبها حين يحين موعد الزفاف ويأتي الحضور للحفل، وهنا بعد التفكير جلياً حول ما يمكنها أن تفعله بهذا الأمر فكرت في اللجوء إلى أحد أهم المحققين المشهورين في المنطقة، وذلك من أجل طلب منه المساعدة في العثور على خطيبها ومعرفة السبب خلف اختفائه المفاجئ دون سابق إنذار، وبالفعل بعد السؤال عن أبرز المحققين توصلت إلى السيد هولمز.
وبعد أن وصلت للقاء المحقق سردت عليه ما حدث معها، كما أشارت إليه أنه لم يحدث بينها وبين خطيبها أي جدال قبل تلك الحادثة، ومن هنا بدأ المحقق في إجراء العديد من التحريات والتحقيقات حول الموضوع، ولكن في تلك اللحظة طلب منها أن تمده بكافة المعلومات التي تعرفها عن خطيبها إلا أنها أوضحت أنها لا تعرف عنه سوى أنه يقيم في أحد المنازل الواقعة في شارع ليديهال، وقد كان يتم التواصل بينهما في أغلب الأوقات التي يكون كل واحد بهم منشغل عن الآخر من خلال مكتب البريد الذي كذلك يقع في ذلك الشارع ذاته، ولهذا قام المحقق بالحديث معها لفترة حتى يتوصل إلى أي معلومة عنه ولو كان ذلك من خلال تفاصيل صغيرة.
وبعد جلسة مطولة من الحوار توصل المحقق إلى أن والدتها كانت في السابق متزوجة من أحد الرجال الذي يصغرها بخمسة عشر عامًا، وقد كانت ماري تناديه باستمرار بأبي، على الرغم من أن زوج والدتها كان أكبر منها في السن بما يقارب خمس سنوات، كما توصل إلى أن زوج والدتها والذي يدعى السيد جايمس وينديبنك هو المسؤول عن تدبير كافة أمورهم المالية والمنزلية، وهو المسؤول على كل أمر يخص حياتها وحياة والدتها، وقد كان عمله يرتكز على بيع الكحوليات.
لكن ما أثار استغراب ودهشة المحقق أنه على الرغم من تلك العلاقة الوطيدة بين ماري وزوج والدتها، إلا أنه لم يلتقي بيوم من الأيام مع خطيبها على الاطلاق، ولا حتى أنه حصل والتقيا سوياً، وهنا تساءل المحقق كيف يمكن أن يكون زوج والدتها مُعنى بكل أمر يخصهم، وفي ذات الوقت لم يتعرف على خطيب ابنة زوجته، وحين وجه هذا السؤال إلى ماري أخبرته أنه كانت زيارات خطيبها إليها تتم أثناء تواجد زوج والدتها خارج البلاد، والذي كان يقضي معظم وقته في دولة فرنسا بسبب أمور التجارة.
ومن هنا بدأت تتضح أمام المحقق خيوط القضية شيئاً فشيئاً بشكل تدريجي، حيث أنه طلب منها أن تقدم له مجموعة من الرسائل التي كان يبعثها لها خطيبها، كما أنه طلب منها أن تقدم له أي وثيقة تحمل خط زوج والدتها، وحين قام بمطابقة الخطين مع بعضهما البعض، توصل إلى أن خط كتابة الرسائل التي كان يكتبها خطيبها لها هو ذات خط السيد جايمس.
وفي النهاية تأكد المحقق من أن خطيب ماري هو ذاته زوج والدتها وكلاهما نفس الشخصية، ولكن عندما كان السيد هوسمر يحضر من أجل لقاء ماري يتنكر بشكل آخر، حيث يضع شارب وذقن، بالإضافة إلى أنه كان يرتدي على عيناه نظارة سوداء قاتمة اللون وكبيرة إلى الحد الذي تغطي به كامل ملامح وجهه، وقد كان السبب خلف ما قام به زوج والدتها هو أن تعزف ماري عن الزواج ومغادرة المنزل؛ وذلك لأن ماري كان لها نسبة مالية كبيرة في متجر الكحول المسؤول عنه، وتلك العائدة المالية كانت يستفيد منها زوج الأم كثيراً، وفي حال تزوجت ماري فإن تلك العائدة المالية سوف تذهب إليها بشكل شخصي ولن يتمكن من الاستفادة منها، مما يتسبب له بخسارة مالية كبيرة.
وعلى إثر ذلك خطط زوج الأم من أجل الإيقاع بماري في شباكه؛ وذلك من خلال تنكره في شخصية أخرى وهي شخصية هوسمر، إذ حاول أن يوهمها ويوعدها بالزواج حتى اللحظة الأخيرة، ثم بعد ذلك يختفي، وقد توقع بسبب ذلك أن تدخل ماري في دوامة من الحزن وترفض الزواج بأي رجل لفترة طويلة، وبذلك يستمر بالاستفادة من أموالها.
وفي النهاية حين عرف المحقق بهوية خطيب ماري ولكن قرر أن لا يخبرها؛ وذلك خوفاً عليها من أن يفطر قلبها وتصاب بحالة من الاكتئاب واليأس، كما اعتقد أنه من شدة حبها لخطيبها من المؤكد أنها لن تصدق ما توصل إليه من حقائق، وقد نصحها المحقق بأن تواصل حياتها كما كانت في السابق، وأن لا تبقي تفكيرها محصور حول خطيبها وأن تحاول نسيانه.
إلا أن ماري رفضت تلك النصيحة بشكل مطلق، وصرحت بأنها سوف تبقى مدى حياتها مخلصة ووفية له، وأنه سوف يبقى لديها أمل في مقابلة وأن يظهر من جديد، وإن لم يحدث ذلك الأمر، فإنها لن تتزوج قبل مرور عشر سنوات على الأقل على غيابه، وأخيراً توقع المحقق للسيد جايمس نهاية مؤسفة ومؤلمة من جراء طمعه وأعماله الشريرة التي أطاحت بفتاة بريئة لا تعلم شيئاً عن نواياه السيئة.