قصة كوكب آخر

اقرأ في هذا المقال


يُعتبر الكاتب والمؤلف دالتون جيرسون تريفيسان وهو من مواليد دولة البرازيل من أهم وأبرز الكُتاب الذين ظهروا في القرن التاسع عشر، حيث أنه صدر عنه العديد من الأعمال والمؤلفات الأدبية التي حصلت على إعجاب الكثير من الأدباء والنقاد والقراء، وقد حصد على العديد من الجوائز العالمية كتكريم له على الإبداع الذي تميز به، ومن أهم الأعمال الأدبية التي صدرت عنه هي قصة كوكب آخر، وقد كانت من القصص التي لاقت شهرة واسعة حال إطلاقها، وقد وصف الكاتب أنه من المؤرخين في مجال كتابة القصص القصيرة، وقد كانت معظم قصصه مستوحاة من الحياة اليومية التي كان يعيشها في مسقط رأسه في مدينة كوريتيبا.

نبذة عن القصة

تناولت القصة في مضمونها الحديث حول رسالة قامت بكتابتها إحدى السيدات، حيث أنها في يوم من الأيام كان قد التقت برجل عمل على إحداث تغيير جذري في حياتها، إذ قلب حياتها إلى حياة وردية تفوح عطراً في كل مكان، وأصبحت تعيش حياة مفعمة بالحب والشغف للحياة، إلى أن جاء اليوم الذي قلب بها حياتها رأساً على عقب، إذ غادر حياتها بشكل مفاجئ وتحولت حياتها من نعيم إلى جحيم، وكل ما رغبت به في النهاية هو مغادرة الكوكب الذي يعيش فيه ذلك الرجل فقط.

قصة كوكب آخر

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة على لسان إحدى الروايات من الشخصيات الرئيسية، وهي سيدة تستذكر مجموعة من الذكريات حول حياة قد عاشتها في مرحلة سابقة، حيث أول ما باشرت به هو في إشارة منها إلى تلك اللحظة التي قابلت بها للمرة الأولى أحد الرجال فقالت: لا زلت أتذكر ذلك اليوم الذي التقينا فيه للمرة الأولى، فقد كان رجل صاحب شخصية متفردة في كل شيء.

وهذا التفرد وصل به إلى أن تكون إيحاءاته الغرامية وأطواره الغامضة كذلك فريدة ومميزة من نوعها، إذ جعل مني سيدة تملأ أوراقها بمجموعة من الحروف المستقبلية، ففي تلك الأثناء تجاوزت وتجاهلت كافة الأزمنة الفلكية، كم أنني في ذلك الوقت كنت قد ضربت بعرض الحائط جميع ما عشته في الماضي من انهزامات وإحباطات وجميع ما مرت علي من أحداث مؤذية وصعبة.

وقد كان ذلك اللقاء هو عبارة عن دافع قوي وهبني ما يعرف بالوهج الأسطوري؛ وذلك من أجل أن يدلني على مفاتيح الحياة، حيث منذ تلك اللحظة فتحت أمامي كافة أبواب الجنان الدنيوية، والتي كنت قد ظننت في يوم من الأيام أنها مجرد روايات على ورق لا أكثر ولا يمكن لأحد رؤيتها في الحقيقة، وذلك لأنه لم أرى أي تجسيد لها على أرض الواقع بعد، وقد كان ذلك الرجل قد عمل في لحظات على تشكيل واقعي الذي كان منفرط ومشتت إلى حد كبير، كما عمل على لملمة جميع الأيام التي عشتها في السابق وجعلها تمر كأنها دقائق وثواني سريعة، بالإضافة إلى أنه أهداني باقة متناسقة من ناحية الألوان التي جمّل بها سنين العمر، وكأنه في تلك اللحظة أدرك أنه أصبح يعني لي الحياة بأكملها.

ويوماً بعد يوم حيث كانت هناك العديد من اللقاءات بيننا كنت قد أدمنت بقاءه إلى جانبي وقربه مني، وحين كان يغادر من جانبي كنت أدخل في حالة من الشفقة على نفسي التي أصبحت وحيدة في غيابه وبعده عنها، ولكنه كان بعد ذلك سرعان ما يعود وتعود الروح إلى جسدي، إلى أن جاء اليوم الذي رحل عني به إلى الأبد دون عودة.

ومنذ تلك اللحظة رأيت أن الكون بأكمله قد خاصمني وأصبح الجميع أعداء لي، ولم تعد هناك روح في الجسد من أجل رؤية العالم الخارجي بذلك الجمال التي كنت أراه بها وهو إلى جانبي، إلى أن وصل بي الأمر إلى أنه لم أعد أشاهد ان الشمس تشرق على كوكبي وعالمي، ولم أعد أرى ذلك الظل التي كانت تمدني به أوراق الشجر، فقد غاب قمري، وقد أدى بي غيابه إلى أن جفت بحار دموعي، كما أن كامل الأنهار التي كانت تنساب بداخلي من الأمل قد وصلت إلى حد الجمود.

وهنا ماتت الوردة التي كانت مزهرة وتفوح عطراً في كل مكان، وقد سافرت جموع من الأوراق وقد أصبحت فارغة تماماً من الكلمات، إذ لم يخط عليها قلمي بحبره منذ تلك اللحظة، فبدل الحبر بدأت أسكب على أوراقي قطرات من الدماء، وبدل من أن كان دافع أنار إلي الطريق أصبح خنجر يطعن بي في كل وقت وفي كل حين، وقد باتت كل أزمنتي عبارة عن مقتطفات من الأقدار من وسط حالة من الجنون، وهنا ماذا أصبحت بعد ممات الوردة التي كانت بداخلي؟.

ولم يبقى داخلي سوى الدموع وشفاه ترسم عليه الابتسامة كمظهر خارجي فقط، وقد كانت بقايا الدموع ما تحمل في طياتها سوى أنها تعصر قطرات ضخمة من الألم يتم ترجمتها من خلال كميات من الآهات، وتلك الآهات كانت عبارة عن براكين تنفجر وزلازل تهز الجبال وتحطمها، وبذلك التحطم تكسر كامل ما تبقى بداخلي من بواقي وأجزاء، وبعد كل تلك التراكمات التي عششت بداخلي أصبحت إنسانة أعيش على هامش العالم في ركن بعيد كل البعد عن الجميع من حولي، فأنا لا أعيش في تلك اللحظة سوى مع صورتك التي بدت مهشمة في نظري، والتي لم أعد أرى فيها سوى شفتيك التي تعتليها الابتسامة.

وفي النهاية لن أطلب منك في يوم من الأيام القدوم إلى هنا، وأخيراً قد حسمت الأقدار أمرك، وكل ما عليك هو أن عليك فقط أن تنتظر عودتي إليك ليس أكثر، فمن المحتوم أنه في يوم من الأيام سوف أدنو منك، ولكن حين تحين تلك اللحظة لن تكون بدون أي مواعيد مسبقة على الاطلاق، حيث أنه في ذلك اليوم الذي أظهر به أمامك سوف أعمل على اقتلاع روحي في فضائك الملائكي.

ولكن إلى أن يحين ذلك اللقاء القادم كل ما أطلبه منك هو أن يتركني في الوقت الحالي أحزم أمتعتي وأسير نحو الرحلة الأبدية، وأنا متيقنة تماماً أنه من المحتمل أن أبقى طويلاً في تلك الرحلة، وفي آخر الرسالة كتبت السيدة جملة قالت بها يا طول رحلتي وقد أرفقتها بتهنيده من عمق أنفاسها، إلى رغبة في الإسراع والذهاب إلى كوكب آخر للعيش به رافضه العيش بذات الكوكب الذي يعيش به ذلك الرجل الذي حطم حياتها.

المصدر: كتاب الليالي البيضاء pdf - فيودور دستويفسكي


شارك المقالة: