يعتقد بعض الأشخاص أن العمل بشكل عشوائي وبكثرة سيجني لهم المال الوفير، ولكن في حقيقة الأمر أن الأهم هو إتقان العمل والتركيز بشيء واحد، هذا ما كان ينصح به سائد زميله خالد بقصة اليوم، فقد كان خالد لا يستمع لكلام زميله، ويحب أن ينغمس بالعمل لجني أكبر عدد من المال، ولكن عندما سافرا معاً ووقعا بمأزق كبير، أدرك خالد أن زميله سائد كان صادقاً بكلامه؛ فقد استطاع بتركيزه بأمر واحد أن يخرج زميله خالد من ذلك المأزق.
قصة ماء الصحراء
في إحدى القرى الصغيرة يعيش سائد وخالد بجوار بعضهما البعض، وهما حرفيين يعملان في مهنة الخزف وصنع الأواني من الطين، ولم يكونان يجنيان الكثير من الأموال؛ وذلك لأنّهما لا يصنعان الكثير من أواني المائدة أو الألعاب وغيرها؛ لصغر القرية التي يسكنان بها، بالرغم من ذلك كان سائد راضي بعمله القليل، وكان سائد يواسي صديقه خالد ويقول: يجب علينا دائماً أن نركّز بعملنا حتّى لو كان قطعة واحدة؛ فبذلك نستطيع معرفة نقاط القوة.
كان سائد قد اعتاد على أن يعمل بقطعة واحدة حتّى لو استغرق منه ذلك وقت طويل؛ ممّا يجعله يركّز في عمله بشكل جيّد، ويقوم بتسليم أعماله بموعدها الصحيح والمناسب، أمّا زميله خالد فقد كان يسعى لجني الأموال بشكل أكثر، وكان يحب أن يعمل بأكثر من قطعة بآن واحد، ممّا يجعله دائماً منغمساً في العمل، وفي أغلب المرّات لا يسلّم عمله في موعده، بل يتأخّر بتسليمه لبضعة أيام.
وفي يوم من الأيام زار أحد السياح تلك القرية التي يعمل بها سائد وخالد، وعندما اقتربت سائحة من الحرفي سائد وشاهدت عمله الرائع والمتقن قالت له: أنت مبدع يا سائد لماذا لا تحاول أن تقوم ببيع القطع هذه في إحدى مدن الصحراء؛ فربمّا ستجني المال الأكثر لأنّهم سيدفعون ثمناً جيّداً لتلك القطع.
ردّ عليها سائد: سأفكّر في الأمر لحين المساء، وعندما ذهب واستشار صديقه خالد بذلك وقال له: ما رأيك أن نقوم ببيع الأواني والتحف تلك بمدن الصحراء الكبيرة؛ فنحن هنا لا نجني الكثير من المال، ردّ عليه خالد: ولكن كيف لنا أن نصل إلى هناك فالطريق طويلة؟ قال له سائد: ولكن هنالك الكثير من القوافل التي تسافر إلى الصحراء بشكل يومي، دعنا نتبع قافلة يوم غد، فأنا سمعت بقافلة سترحل صباحاً.
فرح خالد بذلك وقال لزميله: حسناً لقد سمعت أن هنالك الكثير من الأثرياء الذين يسكنون مدن الصحراء، علّني بذلك أتزوّج واحدة من فتياتهم، وفي اليوم التالي بدأت الرحلة وكان سائد وخالد متحمسّان لها، ويتحدّثان طوال الطريق عن خططهم المستقبلية، وكانا يحملان معهما الأواني المصنوعة من الطين.
امتدّت الرحلة لعدّة أيّام وازدادت درجات الحرارة؛ وذلك أدّى لأن تمتصّ الأواني المصنوعة من الطين الماء بشدّة، فلم يبق أي ماء وبدأ خالد وسائد ومن بالقافلة بالبحث عن ماء، اقترح خالد بحفر بئر للبحث عن ماء.
بدأ جميع المسافرين بتلك القافلة بالحفر بحثاً عن بئر ماء، ولكن مضى وقت طويل ولم يظهر أي أثر للماء؛ ولذلك بدأ المسافرون يتوقّفون عن العمل واحداً تلو الآخر لشعورهم بالتعب حتّى ناموا جميعاً، جاء أحد المسافرين لخالد وقال له: أنا أعلم أن عملنا بلا فائدة فلا يوجد هنا أي ماء، ولكنّي أعرف مكاناً آخر، تبعه سائد وبدأ يحفر بالمكان الذي أشار إليه ذاك المسافر، ولكنّه لم يجد الماء.
وبعد قليل جاء إليه مسافر آخر وأخبره عن مكان آخر؛ فبدأ يحفر ويحفر ولكن لم يجد أثراً للماء أيضاً، في اليوم التالي عندما استيقظ سائد والجميع لإكمال الحفر، وجد سائد عدّة حفر داخل الأرض تفاجأ وقال لزميله خالد: ما هذا يا خالد لقد أهدرت الوقت والطاقة في البحث عن الماء، ولكن دون جدوى، ألم اقل لك لو أنّك تركّز بعمل واحد لكنّنا الآن قد حصلنا على الماء.
عاد الجميع لإكمال الحفر مع سائد بنفس الحفرة وبعد مرورو الوقت حصلوا على الماء بالفعل، شعر خالد أنّه كان مخطئاً برأيه، وأنّه كان يجب عليه أن يستمع لكلام زميله سائد وأن يركّز دائماً بعمل واحد، بعد فترة من الوقت عمل سائد وخالد بمهنة الحرف وصارا من أمهر الحرفيين وأغناهما في مدن الصحراء.