يحب الاطفال سماع القصص المليئة بالمفاجآت، سنحكي في قصة اليوم عن فتاة الماء ماري، والتي كانت تسعى لتحصل على قدمين كالبشر ولأنها وقعت في حب الأمير طلبت ذلك من الساحرة، وتحملّت عناء الألم في سبيل حبّها له، حتّى تحوّلت في نهاية الأمر إلى فتاة من فتيات الهواء، وهنّ فتيات خالدات يشبههن في صفاتهنّ بنات البشر، وظلّت ماري على أمل أن يتزوّجها الأمير في يوم ما.
قصة عروس البحر
في إحدى الأزمان القديمة كان هناك بحر جميل لونه أزرق وصافي كصفاء الشمس، وكان هذا البحر عمقه يبلغ آلاف الأمتار ، يسكنه شعب يسمّى (شعب الماء)، وما كان يميّز هذا البحر هو أنّه لا تستطيع أي سفينة أن ترسو عليه، ولا يستطيع أي شيء أن ينزل في اعماقه أبدأ.
يوجد في أعماق هذا البحر النباتات الغريبة والكثير من الأسماك، بالإضافة لقصر الملك الذي كانت جدرانه من المرجان وسقفه من الصدف البحري، بالإضافة لوجود لؤلؤة داخل كل صدفة، كان لدى هذا الملك ست بنات جميلات، ولكن البنت الصغرى كانت أجملهنّ واسمها ماري، ماتت زوجة الملك وبقيت أمّه تعتني ببناته، وخاصةً بماري الصغرى ذات العينين الزرقاوين والشعر الأصفر والخدود الناعمة.
كانت أجسام هؤلاء البنات غريبة الشكل؛ حيث لا يوجد لديهنّ أقدام، بل لديهن ذيل كذيل السمكة، وكانت تتصف ماري بصفات غريبة مثل كثرة الصمت وعدم الكلام، وكانت من أكثر ما تحبّه هو سماع القصص التي تحتصّ بالبشر، وكانت تطلب من جدّتها كثيراً أن تروي لها القصص المتعلّقة بالإنسان والسفن والحرب والحيوان وغيره.
كانت تستغرب من بشكل الأرض المليئة بالأعشاب الخضراء، بالإضافة لنمو الازهار التي يفوح منها رائحة العطر، الشيء غير موجود في أعماق البحر، وكانت جدّتها عندما تروي لها أي قصص تختصّ بالسمك تطلق عليه اسم العصافير؛ وهذا لكي تقرّب لحفيدتها المعنى، فكانت ماري تعتقد بأن السمك يستطيع أن يتسلّق الأشجار وأن يعيش فوق الماء.
كان من عادة بنات الملك عند بلوغهنّ سن الخامسة عشر أن يسمح لهنّ بالصعود فوق سطح الماء ومراقبة السفن والأشياء الأخرى، أمّا ماري فكانت لا تزال تبلغ من العمر عشر سنوات، وأمامها خمس سنوات ليسمح لها بصعود سطح الماء، كانت ماري لديها الفضول والشغف الكبير للصعود، ولكن لم تكن تستطيع إلّا رؤية القمر والنجوم بصورة غير واضحة بسبب موجات المياه.
مرّت الأيّام وبلغت ماري الخامسة عشر وصار من المسموح لها أن تصعد فوق سطح الماء، وكانت المرّة الأولى التي صعدت بها فوق سطح الماء هي مليئة بالأخبار الغريبة، وعندما عادت لتروي لأخواتها ما رأت قالت لهنّ: ما أجمل شكل الرمال وهي ترتطم بالماء، وما أجمل الأنوار التي تسطع من المنازل شكل القمر الرائع.
وعندما جاء دور الأخت الثالثة للصعود، كانت قد رأت منظر قرص الشمس وهو يغيب خلف الجبال ووصفته لإخوتها بمشهد رائع، ثم حان دور الأخت الرابعة فسبحت حتى وصلت الغابات المليئة بالأشجار، ثم الأخت الخامسة التي لم تكن تمتلك الشجاعة كأختها ماري، وعندما عاد الدور لماري بالصعود، صعدت فوق سطح الماء وكان الجو يتصّف بالهدوء.
شاهدت ماري سفينة ذات شراع واحد، وكان يركبها رجال يلبسون ثياباً مزركشة، ومعهم الملّاح الذي يقود السفينة، ولمحت ماري في ذلك الوقت شاب وسيم ذو عينين لونهما أسود، وله شعر طويل وكان من أجمل الموجودين، شاهدت الرجال من حوله يطلقون السهام، التي تنفجر في الهواء وتتحوّل لنجوم تلمع، شعرت ماري بالاستغراب لهذا المشهد، وظنّت أنّه احتفال بعيد الأمير، ولكن دفعها الفضل للصعود فوق سطح الماء مرّةً أخرى.
وفي المرّة الثانية التي رأت بها ماري تلك السفينة، كانت الرياح قويّة حتّى أنّها أغرقت السفينة ومن بها، حينها أسرعت ماري لتنقذ هذا الشاب الوسيم؛ فهي تعلم أن البشر لا يعيشون تحت سطح الماء، وعندما وصلت به إلى الشاطئ اختبأت خلف أحد الصخور، وشاهدت مجموعة من الفتيات اللاتي قمن بإنقاذه.
شعرت ماري بالحزن لأنّها أرادت أن تمتلك قدمين كهؤلاء الفتيات، فقرّرت أن تذهب إلى الساحرة لعلّها تعطيها المشروب السحري، وعندما ذهبت إلى الساحرة وأخبرتها بطلبها، قالت لها الساحرة: أستطيع فعل ذلك، وأن أجعل لكِ قدمين كالبشر، ولكنّ يجب عليك أن تتحملي الألم في كل خطوة، حتى يقابلك أحد الشبّان ويقع في حبك حتّى تصبحين أغلى على قلبه من أمّه وأبيه.
وافقت ماري على ذلك، شربت المشروب السحري وفجأةً أصبح لها قدمين جميلتين، صعدت إلى البر بهما دون علم أي أحد من عائلتها، حاولت ماري أن تقترب من الأمير الذي أنقذته لأنّها أحبّته، وتمنّت أن تحظى منه على الحب ذاته، ولكنّها علمت بالصدفة أن الأمير ينوي خطبة بنت الملك، حزنت حزناً شديداً، وتذكّرت بأنّ الساحرة قد أخبرتها أنّها في حين تنوي فك هذا السحر وعدم تحمّل الألم أن تلقي بحجر في الماء عن غروب الشمس، ومن ثم ستموت وتتحوّل إلى زبد.
ذهبت ماري وأرادت فعل ذلك، في ذلك الحين لم تعد ماري كما كانت، ووجدت نفسها بين فتيات يشبهن البشر، فقالت لها واحدة منهنّ: نحن فتيات الهواء، وبسبب حبّك الشديد للأمير والألم الذي تحملتيه؛ فقد حظيتِ أن تكونين واحدة منّا، نحن كبني البشر نمتلك روحاً صادقة، ولا نتحوّل إلى زبد مثل بنات الماء، فرحت ماري لذلك؛ فقد صار لديها قدمين وحظيت بروح صادقة، وظلّت تنتظر على أمل بأن تتزوّج الأمير في يوم من الأيّام.