تُعتبر هذه القصة من أروع القصص القصيرة التي صدرت عن الأديب الأمريكي ريموند كارفر، وقد تم تصنيفها من قِبل الأدباء أنها من أروع القصص التي تعالج قضية تحدث بشكل متكرر في مختلف المجتمعات، وقد تم ترجمت القصة إلى الغالبية العظمى من اللغات العالمية ومن ضمنها اللغة العربية، كما تمت تجسيدها إلى العديد من الأفلام السينمائية العالمية.
قصة ميكانيكا شعبية
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في أحد الأيام التي حدث بها تغيير كبير في الحالة الجوية، حيث أنه في وقت ما زال مبكر على وصول فصل الشتاء بدأت الثلوج بالتساقط بغزارة، وفي مثل تلك الأجواء عادت المياه المليئة بالأوساخ والقذارة لتظهر مرة أخرى من جديد في الشوارع، وفي تلك الأثناء كان هناك بعض التراكمات من قطع الثلج التي تذوب متسللة بكل خفة وهدوء من فوق كافة النوافذ الصغيرة التي تعود للبيوت، كما كانت جموع من السيارات المليئة بالطين والأوساخ التي تعبر الشارع، والذي كان يسيطر عليه الظلام الحالك، كما كان الظلام يطغو على المنازل كذلك.
وفي ذلك الوقت كان هناك الشخصية الرئيسية التي تدور حولها الأحداث، وهو رجل يقيم في أحد تلك المنازل الذي بدأ يسيطر عليها الظلام، وفي تلك الأثناء كان ذلك الرجل واقف في غرفة النوم خاصته ويقوم بجمع ملابسه في حقيبة، وبينما كان يلملم ملابسه من الخزانة ظهرت أمامه سيدة عند باب الغرفة، وهي في الحقيقة كانت زوجته، والتي بدورها وجهّت إليه حديثها وقالت: إنني أبدو في غاية السعادة والسرور؛ وذلك لأنك سوف تقوم بالرحيل من هنا، وقد كررت ذلك الكلام لمرتين على التوالي، ثم بعد ذلك سألته: أتسمعني أيها الرجل؟، بينما ذلك الرجل لم يقوم بإجابتها ولا بأي شكل من الأشكال، كما استمر في لملمة وجمع أغراضه وترتيبها في الحقيبة.
وفي تلك الأثناء قامت المرأة بتكرار الكلام عليه مرة أخرى بشكل متتالي، وأضافت إلى حديثها العديد من الكلمات البذيئة والقبيحة، وحين لم تشاهد من الرجل أي ردة فعل على كلامها أجهشت في البكاء وذرف الدموع، وهنا عملت على استطراد كلامها من جديد وقالت: أنت حتى لا تمتلك الجرأة على أن تقوم بالنظر في وجهي، ألست ما أقوله هو الحقيقة بحد ذاتها؟ وبينما كانت تتحدث في كلمات هناك وهناك شاهدت في لحظة ما إحدى الصور الفوتوغرافية التي تتضمن صورة لأحد الأطفال، وقد كانت تلك الصورة معلقة فوق السرير الذي ينام عليه الرجل، وهنا سرعان ما قامت بالتقاطها.
وقد كان ذلك الأمر ما أثار بداخله الغضب والانفعال، إلا أنه نظر إليها في تلك اللحظة بشكل حاد جداً، بينما هي قامت بالنظر إليه بكل جرأة وثبات، ثم بعد ذلك التفتت إلى الخلف وتوجهت نحو الصالة الموجودة في المنزل، وهنا انفعل بشكل متزايد وتحدث إليها بصيغة الأمر وقال: أحضريها على الفور، وهنا ردت عليه: خذ جميع أغراضك وأشياءك وارحل من هنا لا أريد أن أراك مرة أخرى، وحين سمع ذلك لم يتفوه بأي كلمة وقام بحزم أغراضه وإغلاق حقيبته ثم تناول معطفه من على طرف السرير ونظر من حوله في الغرفة يتفقد إذا نسي أي غرض قبل أن يطفئ النور ثم توجه ناحية الصالة.
بينما المرأة كانت واقفة في تلك اللحظة على عتبة باب المطبخ وتحمل بين ذراعيها طفلًا، وهنا توجه بالحديث إليها وقال: أعطيني الطفل، فردت عليه بكل استهزاء وسخرية: أتتحدث بهذا وأنت بكامل قواك العقلية، لا بل أنت إنسان مجنون؟، فرد عليها: إنني بكامل قواي العقلية وأريد الطفل، وفي وقت لاحق سوف أقوم بإرسال أحد الأشخاص من أجل أن يأخذ متعلقاته الخاصة.
وهنا ثار بها الغضب وقالت بأسلوب يتخلله التحذير: لن أعطيك هذا الطفل مهما كلفني الأمر، وعلى أثر علو الصوت بينهم أجهش الطفل في البكاء، وهنا سرعان ما قامت بسحب الغطاء الذي كانت تضعه على رأسها وغطت به وجه الطفل، وبدت بإلقاء بعض النظرات على الطفل ومحاولة تهدئته، بينما هو استغل تلك اللحظات وقام بالتقدم نحوها، وبينما يسير في تلك الخطوات كان يتوسل ويتضرع إليها بأن تقوم بإعطائه الطفل ليأخذه معه، بينما هي رفضت ذلك وبشدة، وهنا حول خطواته وتوجه نحو المطبخ وبدأ بالقول: بحق الحب الإلهي أريد أن أخذ الطفل معي، وقد كان ذلك القول كان أشعرها بشيء من الرهبة والخوف قليلاً وصاحت قائلة: اخرج من هنا أغرب عن وجهي لا أريد أن أرى وجهك مدى الحياة.
وفي ذلك الوقت حاولت العودة للخلف في محاولة منها للاحتماء بالطفل في أحد الزوايا داخل المطبخ، بينما هو بقي مستمر في التقدم نحوها وأصر على طلب الطفل منها، إلى أن وصل إليها وقام بمد ذراعيه وحاول أخذ الطفل من بين ذراعيها بكل شدة وعنف رغماً عنها وصاح بها: اتركي الطفل لي، بينما أخذت بالصراخ والعويل مرددة: ابتعد عني ابتعد عن طفلي اترك لي الطفل، وكل تلك المشاحنات والطفل مستمر في العواء والبكاء.
وبقي الجدال بينهم إلى أن أوصل بهم الأمر إلى العراك والشجار، وعلى أثر ذلك الشجار سقط إناء الزهور والذي كان يقع خلف الموقد في أحد أركان المطبخ، مما زاد من بكاء الطفل، وهنا استغل الرجل المكان وحاول احتجازها إلى جانب الحائط في محاولة للحصول على الطفل، وسرعان ما قام بجذب الطفل بكل قوته، ثم بعد ذلك دفع بها بشكل عنيف وقد صرخت قائلة: لا يمكن لك أن تحصل على الطفل إنك سوف تلحق به الأذى، فرد عليها: لا بل سوف أحافظ عليه ولن ألحق به أي أذى.
وفي ذلك الوقت كانت النافذة الموجودة في المطبخ لا يظهر منها سوى الظلام الحالك، وكان هو ما زال في محاولة لجدب الطفل والتقاطه والتي بدورها كانت تضمه بكل ما بها من قوة، وقد حاول في إحدى المرات أن يقوم بفتح أصابع يديها المضمومة بشدة على الطفل بإحدى يديه، وبيده الأخرى كان يضع أصابعه على الطفل والذي ما زال لم يتوقف عن البكاء، وفي تلك الأثناء شعرت بأن أصابع يدها قد تُفتح وأن الطفل سوف يذهب إلى يديه.
وفي اللحظة الأخيرة التي تمكن بها من فتح يديها من أجل الحصول على الطفل صاحت قائلة: لا يمكنك أن تفلت يدي وأن تأخذ الطفل مني، وحاولت مجدداً السيطرة على قوة يديها وأن تلتقطه مرة أخرى من بين يديه، فكل ما كان يشغل تفكيرها في تلك اللحظة هو فقط الاحتفاظ بالطفل، ولكن ما حدث في الحين هو أن الطفل كاد أن يسقط من النافذة، إلا أنها سرعان ما حاولت الإمساك به وبالفعل نجحت في ذلك، وحين شاهد الرجل تلك اللقطة أمامه ترك لها الطفل وغادر لوحده مع حقيبة أغراضه وسار بعيداً، إذ كانت تلك اللقطة هي من حسمت المسألة بينهم حول الطفل.