قصة نصف البطانية

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من القصص القصيرة من الأدب الإسباني، وقد تناولت في مضمونها الحديث حول كيف أن الآباء يقضون حياتهم يعملون بجد من أجل أن يؤمنوا لأبنائهم الحياة الكريمة، إلا أن العديد من الأبناء حين يشقون طريقهم ينسون كل ما تم فعله من أجلهم وحتى آبائهم.

قصة نصف البطانية

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول الشخصية الرئيسية فيها، وهو رجل يدعى دون روكي، حيث أن ذلك الرجل قد أمضى حياته وهو منغمس في العمل طوال الوقت دون أن يكون في يوم من الأيام قد شعر بأي كلل أو ملل على الإطلاق، وقد مرت أعوام طويلة وهو على هذا الحال، وكل ذلك كان يقوم به من أن يستطيع أن يؤمن لابنه أفضل سبل العيش الكريم، وكل حلمه أن يرى ابنه رجل عظيم يحظى باحترام وتقدير الجميع من حوله، وقد كرّس السيد دون حياته من أجل أن يحظى برؤية ذلك اليوم، ولكن ما حدث في يوم من الأيام أنه قد توفيت زوجته، ومنذ ذلك اليوم الذي توفيت به الزوجة رفض الابن أن يبقى مقيماً في ذلك المنزل، وهنا قرر أن ينتقل إلى مكان آخر يقيم به، وفي ذلك الوقت كان السيد دون قد شارف على السبعين من عمره.

ومنذ ذلك اليوم كان السيد دون يرى نفسه وحيدًا في هذه الحياة، فلا يوجد أحد بجانبه يستند عليه، ومع الحالة النفسية التي عاشها والتي أصبحت تؤثر عليه بشكل كبير، إلى أن جاء اليوم الذي أصبح به رجل مقعد ولا يقوى على الحركة بمفرده أبداً، وهنا بدأ يفكر بأنه يعيش في منتهى أيامه ولا يبقى ما يؤنسه في وحدته سوى تلك الذكريات التي تغذي روحه وتمتزج بها، وفي كل يوم كان يعيشه السيد دون كان يحيى بداخله الأمل في أن ينظر ابنه والذي أصبح في الوقت الحاضر يعمل بوظيفة مرموقة ويحظى بمكانة مميزة أن يرأف بحالته ويساعده في كسر تلك العزلة والوحدة التي أدمت قلبه، ولكن مرت العديد من السنوات دون أن يحدث ولو جزء بسيط من أحلامه.

وفي أحد الأيام قرر السيد دون أن يبادر هو في طلب المساعدة والعون من ابنه، وبالفعل ذهب إلى حيث يقيم ابنه وطرق باب منزله، إذ كان في الوقت الحالي يقطن فيه هو وعائلته ويعيشون حياة كريمة، وحينما فتح ابنه الباب ورأى والده أمامه قال وهو يملأه العجب والدهشة من قدوم والده إلى باب منزله: أهلا بك يا أبي، والآن ما هي المعجزة التي جاءت بك إلينا؟ وهنا عزم عليه بالدخول إلى الداخل، وبعد أن دخل الأب وجلس قال وهو في حالة من التردد: أنت تعلم يا بني أنني لا أرغب في الواقع بإزعاجكم أنت وعائلتك، إلا أنني قد قضمت من جسدي العزلة والوحدة، وأنت ترى يا بني أنني أصبحت في مرحلة متقدمة من العمر وقد تمكن العجز مني ولا أقوى على إعانة نفسي، فتعب السنين التي قضيتها في العمل المستمر قد بدأ يظهر على عظامي.

وهنا رد عليه الابن وهو في حالة من اللامبالاة وقال: أنت تعرف تمام المعرفة أنه يروق لنا كثيراً أن تأتي من أجل زيارتنا، كما أنك تعلم أن هذا المنزل هو مثل منزلك تماماً ولا فرق بينهما، وهنا بلع العجوز ريقه وقد كان في حيره من أمر ابنه ثم أردف حديثه قائلاً: كل الشكر والتقدير يا بني، كما أنني أعلم أنه بمقدوري أن أتحدث إليك بكل ما يكن في خاطري، ولكنني أخشى عليك أن تشعر بالإزعاج من حديثي، إنني يا بني أشعر بالوحدة المفزعة، ألا يزعجك أن أقيم معك ومع عائلتك في ذات المنزل؟.

وهنا بدأ يظهر على الابن ملامح التوتر والاضطراب ثم قال: وهل لديك المقدرة على العيش والتكيف معنا؟ أعتقد أنه لن يعجبك الوضع في هذا المنزل؛ فأنت ترى بأم عينك أن المنزل ليس بتلك المساحة الواسعة، بل إن مساحته محدودة كما ترى، وعلاوة على ذلك فإن زوجتي تفضل أن تستقل بحياة خاصة لها ولعائلتها وزوجها فقط.

وحينما سمع الرجل العجوز بتلك الكلمات الجارحة كانت قد وقعت على مسامعه كالعاصفة، ولكنه حاول أن يتمالك نفسه وسرعان ما قام بمقاطعة حديث ابنه وتبريراته وقال له: اسمع يا بني اعذرني إن كنت قد تسببت لك بالإزعاج، انسى كل مل تحدثت به إليك ولا تشغل بالك بي على الاطلاق وعش حياتك كما رسمتها وخططت له وكل ما اتمناه لك هو أن تعيش حياة كريمة وسعيدة مع زوجتك وأبنائك، فمن المؤكد أنني سوف أجد من يمد لي يد العون والمساعدة.

وهنا حينما سمع الابن هذا الحديث من والده أصيب بحالة من التلجج وقال: لا يا والدي أنت لم تفهم قصدي من الحديث، إنني كنت أتحدث عن مكان النوم، إذ أن هناك غرفة لي ولزوجتي وعدد قليل من الغرف الخاصة بأبنائي، وإنني لا أستطيع أن أخرج أحد منهم من غرفة، حيث أن ذلك الأمر قد يتسبب بينهم بالعديد من المشاكل، فإن رغبت بالإقامة معنا إن لم يزعجك الأمر أن تنام بفناء المنزل، وفي تلك اللحظة هزّ الرجل العجوز رأسه وقد انتابته حالة استسلام وقال: أنام في الفناء؟ حسنًا وكل الشكر لك يا بني.

وفي تلك الأثناء بعد أن قبل الرجل العجوز الإقامة بفناء المنزل، وحينها قام الابن بالنداء على ابنه الذي يدعى لويس، وقد كان لويس في عمر الاثني عشر عامًا، وحين ردّ لويس على والده قال له: إن جدك سوف يقيم معنا هنا في هذا المنزل؛ قم واجلب له بطانية من أجل أن يتغطى بها؛ لأنه سوف ينام بالفناء الخارجي للمنزل؛ وذلك من أجل أن لا يتسبب لأحد منكم بالإزعاج.

وهنا رد عليه لويس وهو يعتريه السرور: بالطبع يا والدي، وبالفعل ذهب لويس وهم بإحضار البطانية، ولكنه حينها قام بقص البطانية إلى نصفين، وفي تلك اللحظة حينما شاهد والده ما فعل قال له: ما بك فعلت هذا بالبطانية يا بني؟ ، فقال لويس وهو يملأه العجب: ألم تفكر في الأمر يا والدي؟.

رد عليه والده وهو مندهش مما قام به: أي أمر تقصد؟ فرد عليه لويس: لقد فعلت من أجلك يا والدي، إذ قمت بتقسيم البطانية إلى جزأين، النصف الأول لجدي والنصف الثاني من أجلك؛ وذلك حينما يتقدم بك العمر وتأتي للعيش معي أو مع أحد من أشقائي في المستقبل، سوف يكون ذلك النصف لك، وهنا كان قد صفع لويس والده بكلماته التي شقّت قلبه وانفطرت روحه بها؛ فلم يتمكن من الرد عليه ولا بأي كلمة والتزم الصمت، وحين سمع الجد ذلك من حفيده عاد وهو يعتريه الحزن من حيث أتى.


شارك المقالة: