قصة قصيدة أتذكر إذ لحافك جلد شاة:
أمّا عن مناسبة قصيدة “أتذكر إذ لحافك جلد شاة” فيروى بأنّ القائد العربي معن بن زائدة قد اشتهر بكونه حليمًا يصفح ويعفو عند المقدرة عن أخطاء الناس في حقه، وعندما وليّ من قبل أبو جعفر المنصور على اليمن، جلس جماعة من الناس وأخذوا يتحدثون فيما بينهم عن حلمه وكرمه وسعة صدره، وبالغوا في ذكرهم صفاته، وكان من الحاضرين أعرابي، فقرر هذا الأعرابي أن يغضبه، وأخبرهم بذلك، فأنكر الحاضرون عليه ذلك، وقالوا له بأنّ له مائة من الإبل إن هو استطاع أن يغضب معن، فذهب الأعرابي وقتل أحد بعيره، وسلخها وأخذ جلدها وارتداه، ولكنّه جعل ظاهره باطن وباطنه ظاهر، وذهب إلى معن، ودخل إلى مجلسه، ولم يسلم، ولكنّ معن لم يعره أي اهتمام.
فأنشد الأعرابي قائلًا:
أتذكرُ إذ لحافك جلد شاةٍ
وإذ نعلاكَ من جلد البعيرِ
فقال له معن: نعم أتذكر ذلك ولم أنساه، والحمد لله، فقال له الأعرابي:
فسُبحانَ الذي أعطاكَ مُلكاً
وعلََمكَ الجلوسَ على السريرِ
فقال معن: سبحان الله تعالى!، فقال الأعرابي:
فلستُ مسلماً ما عشتُ حيَّاً
على معنٍ بتسليم الأميرِ
فقال معن: إن أنت سلمت رددت عليك السلام، وإن لم تفعل فلا ضير عليك، فقال الأعرابي:
سأرحل عن بلاد أنت فيها
ولو جار الزمان على الفقيرِ
فقال له معن: إن قرّرت أن تجاورنا فمرحبًا وسهلًا بك، وإن أنت تجاوزت عنا فصحبتك السلامة، فقال الأعرابي:
فجد لي يابن ناقصةٍ بمالٍ
فإنّي قد عزمت على المسيرِ
فقال معن لمن معه: أعطوه ألف دينار، لعلها تخفف عنه مشاق السفر، فأخذها الأعرابي وقال:
قليلٌ ما أتيتَ به وإنّي
لأطمع منك بالمال الكثيرِ
فثن قد آتاك الملك عفوا
بلا رأي وعقل مستنير ِ
فقال معن لمن معه: أعطوه ألفاً أخرى، لعلّه يكون علينا من الراضين، فاقترب الأعرابي منه وقال:
سألت الله أن يبقيك دهراً
فما لك في البرية من نظيرِ
فمنك الجود والإفضال حقاً
وفيض يديك كالبحر الغزير
فقال معن لمن معه: عندما هجانا أعطيناه ألفين، وبما أنّه مدحنا فأعطوه أربعة، فقال الأعرابي: بأبي وأمي أنت أيها الأمير، والله لم أر في حلمك وكرمك من قبل قط، ووالله إنّي قد كنت مكذبًا لذلك، وما حصل قد أذهب شكي وأقلبه يقينًا، ووالله إنّي لم آت إليك إلّا مائة من البعير قد جعلت لي إن أنا استطعت إغضابك، فأمر له الأمير بمائتين من الإبل، مائة له ومائة للرهان، فانصرف الأعرابي وهو يدعي له ويذكر هباته ومعجب بصفاته.