قصة قصيدة “أحجاج إما أن تمن بنعمة”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “أحجاج إمّا أن تمنَّ بنعمة” فيروى بأن يزيد بن قرة الشيباني كان من الرجال الشديدين المنيعين، وكان يتبع رأي الخوارج، فلم يكن يخشى عمال الحجاج في العراق، وعندما وصل خبر ذلك إلى الحجاج، غضب غضبًا شديدًا، وبعث إلى عبد الملك بن مروان يخبره بشأنه، فكتب عبد الملك للحجاج بأن يتمكن منه بأيّ طريقة كانت، وأن يحتال عليه، لكي يتمكن من الإمساك به، وفي حال تمكن من الإمساك به عليه أن يضرب عنقه، فقام الحجاج بطلب يزيد بن رويم، وجرير بن يزيد، وعندما دخلو عليه، أكرمهم وقربهم منه، وقال ليزيد بأنّ له شرط العراق، ولجرير بأنّ له ديوان الخرج، إن هم أتوه بيزيد بن قرة.
فقام يزيد بن رويم، وجرير بن يزيد من مجلس الحجاج، وركبا حتى وصلا يزيد بن قرة، فنزلا وجلسا معه، وقالا له: إنّ الحجاج قد غضب منك غضب شديد، ونحن خائفون من أن يصيب غضبه كل قومك، ونرى بأن عليك أن تركب معنا إليه، وتطلب منه الصفح، فقال لهما يزيد بن قرة: لا والله، لن أفعل ذلك، فإنّه عندما يراني سوف يقوم بقتلي، فقالا له: إن شاء الله لن يفعل ذلك، فقام يزيد ولبس ثوبًا أبيضا، وجهز نفسه لكي يقتل، وأمر نساء بيته أن يخرجن معه، وركبوا حتى وصلوا باب الحجاج، فدخل يزيد عليه.
وعندما رأى الحجاج يزيد قال له: هل أنت يزيد بن قرة؟، فقال له: نعم، أنا هو، فقال له الحجاج: قتلني الله إن لم أقتلك، فقال له يزيد: اسألك الله أن لا تقتلني، فقال له الحجاج: ولم لا أقتلك؟، فقال له يزيد: إني أرعى أربع وعشرين امرأة، وليس لديهن أحد سواي، فقال له الحجاج: ومن يثبت أن ما تقوله ليس بكذب؟، فقال له يزيد: هنّ على الباب، فأمر الحجاج الحاج أن يدخلهنّ، وعندما دخلن، بدأت كل واحدة منهنّ تطلب من الحجاج أن لا يقتله وأن يقتلها بدلًا منه، وكلما قالت واحدة منهنّ ذلك، قال لها الحجاج: ومن أنت؟، فتقول: عمته، وتقول الأخرى: عمته، أو أخته، أو بنت أخيه، أو بنت أخته، حتى وقفن جميعهنّ بين يديه وهنّ يستعطفن قلبه، ومن ثم أنشدت ابنته قائلة:
أحجاج إما أن تمنّ بنعمة
علينا وإمّا أن تقتلنا معاً
أحجّاج كم تفجع به إن قتلته
ثماني عشر واثنتين وأربعا
أحجّاج لو تسمع بكاء نسائه
وعماته يندبنه الليل أجمعا
أحجّاج من هذا يقوم مقامه
علينا فمهلاً لا تزدنا تضعضعا
أحجّاج هبه اليوم لله وحده
وللباكيات الصارخات تفجّعا
فبكى الحجاج، وبعث إلى عبد الملك بن مروان يخبره بما حصل، فأمره عبد الملك بأن يعفو عنه، ففعل.