مناسبة قصيدة “أرى ذلك القرب صار ازورارا”:
وأما عن مناسبة قصيدة “أرى ذلك القرب صار ازورارا” فيروى بأن أبا الطيب المتنبي قد أمضى وقتًا طويلًا من دون أن يمدح سيف الدولة الحمداني وتأخر في ذلك، فانزعج الأمير من ذلك، وفي يوم تقابلا وقام أبو الطيب المتنبي بإلقاء السلام على سيف الدولة ولكن الأمير لم يرده عليه، فحزن أبو الطيب من ذلك وعاد إلى بيته ونم هذه القصيدة:
أَرى ذَلِكَ القُربَ صارَ ازوِرارا
وَصارَ طَويلُ السَلامِ اختِصارا
يقول المتنبي في هذا البيت أن قربه من سيف الدولة أصبح بعدًا وطول سلامه أصبح تقصيرًا واختصارا.
تَرَكتَني اليَومَ في خَجلَةٍ
أَموتُ مِرارًا وَأَحيا مِرارا
وفي هذا البيت يقول أبو الطيب بأن سيف الدولة عندما أعرض عنه ورفض رد السلام عليه تركه خجلانًا أمام الناس خائفًا من إعراضه عنه وأن بغيته في الحياة كرمه وعطفه.
أُسارِقُكَ اللَحظَ مُستَحيِيًا
وَأَزجُرُ في الخَيلِ مُهري سِرارا
وفي هذا البيت يقول أبو الطيب بأنه يستحي بأن يرفع صوته في حضور سيف الدولة، وعندما يريد أن يصيح على حصانه فهو يفعلها بصوت منخفض استحياء من الأمير.
وَأَعلَمُ أَنّي إِذا ما اعتَذَرتُ
إِلَيكَ أَرادَ اعتِذاري اعتِذارا
ويقول في هذا البيت بأن الذي يعتذر هو الذي اقترف ذنبًا، وبأنه لم يقترف أي ذنب لذلك فمن الخطأ أن يعتذر عن شيء لم يفعله فيكن هذا الاعتذار في غير مكانه.
وَلَكِن حَمى الشِعرَ إِلّا القَليلَ
هَمٌّ حَمى النَومَ إِلّا غِرارا
ويقول هنا بأن الذي منعه من نم الشعر في سيف الدولة هو هم كبير منعه أيضًا من النوم.
كَفَرتُ مَكارِمَكَ الباهِراتِ
إِن كانَ ذَلِكَ مِنّي اختِيارا
وفي هذا البيت يقول أبو الطيب بأنه قد جحد كل المكارم التي أكرم عليه سيف الدولة بها التي لا يمكن لأحد أن يجحدها في باهرة كبيرة، ولم يكن جحدها إختيار منه.
وَما أَنا أَسقَمتُ جِسمي بِهِ
وَما أَنا أَضرَمتُ في القَلبِ نارا
فَلا تُلزِمَنّي ذُنوبَ الزَمانِ
إِلَيَّ أَساءَ وَإِيّايَ ضارا
وهنا يقول بأن الذنب ليس ذنبه وإنما هو ذنب الزمن الذي أثقل جنبه بهذا الهم والذي سبب إنقطاعه عن نم الشعر، فلا يجب أن يؤاخذه سيف الدولة على انقطاعه عن نظم الشعر.
وَعِندي لَكَ الشُرُدُ السائِراتُ
لا يَختَصِصنَ مِنَ الأَرضِ دارا
قَوافٍ إِذا سِرنَ عَن مِقوَلي
وَثَبنَ الجِبالَ وَخُضنَ البِحارا
وَلي فيكَ ما لَم يَقُل قائِلٌ
وَما لَم يَسِر قَمَرٌ حَيثُ سارا
فَلَو خُلِقَ الناسُ مِن دَهرِهِمْ
لَكانوا الظَلامَ وَكُنتَ النَهارا
أَشَدُّهُمُ في النَدى هِزَّةً
وَأَبدُهُمْ في عَدُوٍّ مُغارا
سَما بِكَ هَمِّيَ فَوقَ الهُمومِ
فَلَستُ أَعُدُّ يَسارًا يَسارا
وَمَن كُنتَ بَحرًا لَهُ يا عَلِيـيُ
لَم يَقبَلِ الدُرَّ إِلّا كِبارا