قصة قصيدة أقل أنل أقطع احمل
وأما عن مناسبة قصيدة “أقل أنل أقطع احمل” فيروى بأن سيف الدولة الحمداني بعث برجل إلى أبو الطيب المتنبي ليدعوه للانضمام إلى مجلس الشعراء في قصره، فذهب الرجل إلى أبي الطيب وأخبره بذلك، فوافق أبو الطيب على ذلك وقال له بأن يخبر سيف الدولة بأنني أتٍ إليك وإني أتحداك أنت وشعرائك، فعاد الرجل إلى قصر سيف الدولة الحمداني وأخبره بذلك، وعندما سمع سيف الدولة بتحدي أبو الطيب له قال للرجل قل له أنني سوف أعطيه وزن الشيء الذي يكتب عليه الشعر ذهبًا إن فاز في التحدي.
فذهب الرجل إلى منزل أبي الطيب المتنبي وأخبره بأن سيف الدولة الحمداني قد قبل تحديه وأنه سوف يعطيه وزن ما يكتب عليه ذهبًا إن فاز في التحدي وشرطه أن تكتب ما لا يستطيع حفظه، فقبل أبو الطيب بذلك وأخبره بأنه سوف يكون في مجلس الأمير في المساء.
وعند المساء وصل أبو الطيب لمجلس سيف الدولة ودخل فأمره سيف الدولة بالجلوس ولكن أبا الطيب رفض وقال له أنه سوف يلقي شعره وهو واقف، فقال له سيف الدولة الحمداني فلتفعل ما تشاء، وقام بإلقاء البيت الأول وقال فيه ما يلي.
اقل انل اقطع:
متى تزُر قوماً من تهوى زيارتها
لا يتحفوك بغير البيضِ والأسلي
والهجر أقتل لي مما أراقبهُ
أنا الغريق فما خوفي من الليلي
فقام الشعراء الموجودون بإعادته من ورائه وكتبه الكاتب، وبعدها قام المتنبي بإلقاء البيت الثاني وقد كان صعب أن يحفظ وأن يكتب وقال:
ما كان نومي إلا فوق معرفتي
بأن رأيك لا يؤتي من الزللي
ولكن الشعراء تمكنوا من إعادته من ورائه، فقال البيت الثالث والذي كان من المستحيل أن يحف وأن يكتب، وقال:
أقل أنل أقطع إحمل علي سلي أعد
زد هشى بجى تفضل أدني سرى صلي
فلم يفهمه أي من الشعراء بل اعتقدوا أنه قد قال بيتًا من اللغة الفارسية وليست العربية، بل إن بعضهم قال بأن هذا ليس شعرًا، فقال له سيف الدولة الحمداني: ما هذا، فقال له أبو الطيب بأنه شعر وقال له هذا البيت:
لعل عتبك محود عواقبهُ
فربما صحت الأجسام في العللي
فقال له سيف الدولة بأنه لم يفهم منه شيئًا وقال له بأنهم قد اتفقوا بأن يكون الشعر باللغة العربية وليس بالفارسية فقال له المتنبي: إنه باللغة العربية يا مولاي، فقال له سيف الدولة الحمداني إذا أثبت لنا أنه باللغة العربية وفسره لنا، فأعاده المتنبي ولكن أحدًا لم يفهمه ورجعوا وقالوا بأنه مستحيل أن يكون باللغة العربية، فقال أبو الطيب: يا مولاي: إن كان باللغة العربية هل ستدفع لي ما وعدتني به، فقال له سيف الدولة طبعًا، لقد وعدتك وأنا عند وعدي.
فقال المتنبي: أيها الأمير إنها مجموعة من أفعال الأمر قد رتبتها، فاسمعهم، لقد قلت في الشطر الأول: أقل، أنل، أقطع، احمل، علي، سلي، أعد، ولقد قلت في الشطر الثاني: زد، هشى، بجى، تفضل، أدني، سرى، صلي.
وبعد أن أنهى المتنبي شرح قصيدته سأل الحاضرين إن حفظ أحدهم البيت فلم يرد عليه أي منهم وقال أحدهم والله إن أبا الطيب قد فاز عليك يا مولاي. فاعترف سيف الدولة الحمداني بذلك وقال لأبي الطيب أعطني ما كتبت عليه هذا البيت لأعطيك وزنه ذهبًا، فقال له أبو الطيب: لم يكن عندي ورق فحفظته، فاعطني وزني ذهبًا، فقال له سيف الدولة: ولكننا اتفقنا على أن يكون مكتوب وإلا لن أعطيك أي شيء، فقام أبو الطيب واستدعى غلمانه، فدخلوا حاملين حجرًا كبيراً مكتوب عليه بيت الشعر، وقال له لأني لم أملك أي ورق كتبته على هذا الحجر فاعطني وزنه ذهبًا، فقام أحد الشعراء وقال لسيف الدولة: لقد أحرجك أبو الطيب يا مولاي، فقال سيف الدولة: ولكن وزن هذا الحجر ذهبًا سوف يفرغ ما في خزائن الدولة، ولن يبقى للدولة شيء، فقامت إحدى نساء البيت وقالت للأمير: يا مولاي ولكنك وعدته، فقال: إذا لك ما وعدتك، سوف ألبي لك جميع أفعال الأمر التي قلتها في البيت.
وقال له:
أقل: أقلتك
أنل: حين يأتي مسؤول الخزينة غدًا أعطيناه النقود
أقطع: أقطعتك في شوارع حلب
احمل: سوف أعيد لك حصانك الأسود غدًا
علي: لقد رفعت مقامك بين الشعراء فأنت الوحيد من بين كل الشعراء المسموح له بأن يلقي شعره وهو جالس.
وهكذا حتى أكمل جميع الأفعال.