تعتبر قصيدة “أماوي إن المال غاد ورائح” لحاتم الطائي من أبرز قصائد الشعر العربي الجاهلي، والتي تحمل في طياتها فلسفة عميقة حول الحياة والمال والخلود، تعد هذه القصيدة كنزًا أدبيًا وفكريًا، وقد حظيت بتحليل وتفسير من قبل الأدباء والنقاد على مر العصور. في هذا المقال، سنتناول تحليلًا دقيقًا لهذه القصيدة، مستكشفين معانيها ودلالاتها، وأثرها في الثقافة العربية.
ما هي قصة قصيدة “أماوي إنّ المال غاد ورائح”
هذه القصيدة لحاتم بن عبدالله الطائي الذي كان مضرب المثل في الكرم والعطاء عند العرب وله قصص كثيرة في ذلك، تقول إحدى الروايات أنّه مرّ عليه ذات يوم كل من الشاعر لبيد بن ربيعة وبشر بن أبي خازم، والنابغة الذبياني، فنحر لهم ثلاثة من الإبل وهو لا يعرفهم وعندما عرفهم أعطاهم كل الإبل ولم يبقى لديه إلّا جاريته وفرسه.
وهذه القصيدة تتمحور كما تروى الحكايات حول أماوية، التي كانت أشبه بالملكة لما عندها من أموال، فقد كانت من عائلة غنية، وكانت تستطيع أن تتزوج مِن مَن تشاء من الرجال.
أمّا عن مناسبة قصيدة “أماوي إن المال غاد ورائح” فيروى بأنه في يوم قامت أماويه في إرسال أحد خدمها إلى كل من الشاعر النبيتي، والنابغة الذبياني، وحاتم الطائي، وكان ثلاثتهم يرغبون بالزواج منها، وعندما أتوها ودخلوا إلى مجلسها، استقبلتهم وقالت لهم: فليكتب كل واحد منكم قصيدة يذكر فيها خصاله وأفعاله، ومن ثم أقرر بعد ذلك أن أتزوج منكم، على أن يكون أشعركم وأكرمكم.
فأنشد النبيتي قائلا:
هَلّا سأَلتِ هَداكِ اللَه ما حَسبي
عِندَ الطِعانِ إِذا ما احمرَّتِ الحَدَقُ
وَجالتِ الخَيلُ بالأَبطالِ مُعلَمَةً
شعثَ النَواصي عليها البيضُ تأتلِقُ
هَل أَتركُ القِرنَ مصفرّا أَنامِلُهُ
قَد بَلَّ أَثوابَهُ من جوفِه العَلَقُ
وَقَد غَدوت أَمامَ الحيِّ يحمِلني
نَهدُ المَراكِلِ في أَقرابِه بَلَقُ
حَتّى أَنالَ عليه كُلَّ مَكرُمَةٍ
إِذا تَضجَّعَ عَنها الواهِنُ الحَمِقُ
ومن ثم أنشد النابغة الذبياني قائلًا:
هَلّا سَأَلتِ بَني ذُبيانَ ما حَسَبي
إِذا الدُخانُ تَغَشّى الأَشمَطَ البَرِما
وَهَبَّتِ الريحُ مِن تِلقاءِ ذي أُرُلٍ
تُزجي مَعَ اللَيلِ مِن صُرّادِها صِرَما
صُهبَ الظِلالِ أَتَينَ التينَ عَن عُرُضٍ
يُزجينَ غَيماً قَليلاً ماؤُهُ شَبِما
يُنبِئكِ ذو عِرضِهِم عَنّي وَعالَمُهُم
وَلَيسَ جاهِلُ شَيءٍ مِثلَ مَن عَلِما
وجاء دور حاتم الطائي، فأنشد قائلا:
أَماوِيُّ قَد طالَ التَجَنُّبُ وَالهَجرُ
وَقَد عَذَرَتني مِن طِلابِكُمُ العُذرُ
أَماوِيُّ إِنَّ المالَ غادٍ وَرائِحٍ
وَيَبقى مِنَ المالِ الأَحاديثُ وَالذِكرُ
أَماوِيُّ إِنّي لا أَقولُ لِسائِلٍ
إِذا جاءَ يَوماً حَلَّ في مالِنا نَزرُ
أَماوِيُّ إِمّا مانِعٌ فَمُبَيَّنٌ
وَإِمّا عَطاءٌ لا يُنَهنِهُهُ الزَجرُ
أَماوِيُّ ما يُغني الثَراءُ عَنِ الفَتى
إِذا حَشرَجَت نَفسٌ وَضاقَ بِها الصَدرُ
فأعجبت ماوية بشعر حاتم الطائي، وتزوجت منه.