قصة قصيدة “أوه بديل من قولتي واها”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “أوه بديل من قولتي واها” فيروى بأنّ أبو الطيب أقام في بيت أبي الفضل ابن العميد، وبعد تمام الشهرين جهز نفسه للرحيل إلى الكوفة، ولكن قبل أن يهمّ بالرحيل، وصلت رسالة من عضد الدولة “ملك الدولة الديليمة” إلى ابن العميد، وكان مضمون هذه الرسالة أنّه يريد من المتنبي زيارته، فأبلغ ابن العميد المتنبي بطلب عضد الدولة، فقال له أبو الطيب: ما لي والديلم؟، فقال له أبو الفضل: إنّ عضد الدولة أفضل مني، وسوف ينولك أضعاف ما نلته عندي، فقال له المتنبي: إنّي أقصد هؤلاء الملوك الواحد تلو الآخر، وأعطيهم ما يبقى ببقاء الدنيا، وهم يعطوني عرضًا فانيًا، ولي اختيارات وضجرات، وهم يعيقوني عن مرادي، ولذلك أفارقهم على أقبح الوجوه، فقام أبو الفضل بالكتابة إلى عضد الدولة بما قاله له المتنبي، فأرسل له عضد الدولة يقول: إنّه سوف يبلغ مراده في حضرتي، وقد كان عضد الدولة ملمًا بالأدب، وكانت دولته دولة للأدب العربي.
فغادر المتنبي بيت ابن العميد وتوجه إلى شيراز، وعندما اقترب منها قام عضد الدولة بإرسال إبي عمر الصباغ لكي يستقبله، فقام بذلك، وأدخله المدينة، وأنزله في دار مفروشة، فجلس أبو الطيب فيها واستراح، ونفض عنه غبارالسفر، ومن ثم جهز نفسه، وخرج إلى مجلس عضد الدولة، ودخل إليه وهو على السرير، فوقف بين يديه، وقال: لقد شكرت مطية حملتني إليك، وأملاً وقف بي عليك،
وكانت أول قصيدة أنشدها المتنبي لعضد الدولة، هي قصيدة يرثى فيها عمته التي توفيت، وقال فيها:
أَوهِ بَديلٌ مِن قَولَتي واهاً
لِمَن نَأَت وَالبَديلُ ذِكراها
أَوهِ لِمَن لا أَرى مَحاسِنَها
وَأَصلُ واهاً وَأَوهِ مَرآها
شامِيَّةٌ طالَما خَلَوتُ بِها
تُبصِرُ في ناظِري مُحَيّاها
فَقَبَّلَت ناظِري تُغالِطُني
وَإِنَّما قَبَّلَت بِهِ فاها
فَلَيتَها لا تَزالُ آوِيَةً
وَلَيتَهُ لا يَزالُ مَأواها
كُلُّ جَريحٍ تُرجى سَلامَتُهُ
إِلّا فُؤاداً دَهَتهُ عَيناها
تَبُلُّ خَدَّيَّ كُلَّما اِبتَسَمَت
مِن مَطَرٍ بَرقُهُ ثَناياها
ما نَفَضَت في يَدي غَدائِرُها
جَعَلَتهُ في المُدامِ أَفواها
في بَلَدٍ تُضرَبُ الحِجالُ بِهِ
عَلى حِسانٍ وَلَسنَ أَشباها
لَقِينَنا وَالحُمولُ ساتِرَةٌ
وَهُنَّ دُرٌّ فَذُبنَ أَمواها
كُلُّ مَهاةٍ كَأَنَّ مُقلَتَها
تَقولُ إِيّاكُمُ وَإِيّاها
فيهِنَّ مَن تَقطُرُ السُيوفُ دَماً
إِذا لِسانُ المُحِبِّ سَمّاها