قصة قصيدة “إذا هبّت رياح أبي عقيل”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “إذا هبّت رياح أبي عقيل” فيروى بأنّ لبيد بن ربيعة كان من أكثر الناس كرمًا وجودًا في الجاهلية، وكان قد نذر على نفسه أن لا تهب رياح الصبا إلّا أطعم المساكين، وبقي على هذا حتى دخل الإسلام، وكان في كل يوم يذهب إلى مسجد قومه ويطعم من فيه.
وفي يوم كان الوليد بن عقبة واليًا على الكوفة، وبينما هو في المسجد يصلّي، هبّت رياح الصّبا، فصعد إلى المنبر من فوره، وقال: لقد كان أخاكم لبيد بن ربيعة في الجاهلية يطعم المساكين كلما هبّت رياح الصّبا، وهذا اليوم هو يوم من أيامه، فقد هبت رياحه، وأريدكم أن تعينوه على فعل ماكان يفعل قبل الإسلام، وأنا أول من يفعل ذلك منكم، ومن ثم نزل عن المنبر، وبعث إلى لبيد بن ربيعة بمائة ناقة، وكتب إليه بقصيدة قال فيها:
أرَى الجَزّارَ يَشْحَذُ شَفرَتيهِ
إذا هَبّتْ رِياحُ أبي عَقيلِ
أشمُّ الأنفِ أَصْيَدُ عامريٌّ
طويلُ الباعِ كالسّيفِ الصّقيلِ
وفَى ابنُ الجَعفَريِّ بما نَواهُ
على العِلاَّتِ والمالِ القَليلِ
يُذَكّي الكُومَ ما هَبَّتْ عليهِ
رِياحُ صَباً تجاوَبُ بالأصيلِ
وعندما وصلت هدية الوليد بن عقبة إلى اللبيد بن ربيعة، قال له الرسول: هذه هدية ابن عقبة لك، ولقد أرسل لك معها قصيدة، فقرأها، ومن ثم جلس إلى ابنته، وقال لها: لقد تركت الشعر منذ بدأت بقراءة القرآن، وإنّي لا أرد شاعر قال لي الشعر، فأريدك أن تجاوبيه، فقالت ابنته:
إذا هَبَّتْ رِياحُ أبي عقيلٍ
دَعَونا عندَ هَبّتِها الوَليدَا
أشَمَّ الأنفِ، أصْيَدَ عَبشَمِيّاً
أعانَ على مُروءَتِهِ لَبيدَا
بأَمثالِ الهِضابِ، كأنَّ رَكباً
عَليها من بَني حامٍ قُعُودَا
أبا وَهبٍ! جَزَاكَ اللَّهُ خَيراً
نَحَرناها، وأطعَمنا الوُفُودَا
فَعُدْ! إنّ الكريمَ لهُ مَعَادٌ
وظنّي يابنَ أروى أن تَعُودا
فقال لبيد لابنته: لقد أحسنت يا بنيتي، لولا أنّك قد قمتي بسؤاله، فقالت له ابنته: يا والدي، إنّه أمير وليس أحد من عامة الشعب، ولو كان كذلك لما سألته، فقال لها: نعم يا بنيتي إنّه كذلك.
ومن ثم بعث اللبيد بقصيدة ابنته إلى الوليد بن عقبة.