قصة قصيدة “تخيرتها من بنات الهـجـان”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “تخيرتها من بنات الهـجـان” فيروى بأنّ ابن العباد قد أغرم بجارية تدعى الرميكية، فقد خطفت قلبه، لا وبل خطفت اسمه، حيث كانت تلقب باعتماد، فعمد ابن عباد إلى تلقيب نفسه بالمعتمد، وبقي مشهورًا بهذا الاسم حتى يومنا هذا.
وأمّا عن كيفية التقائمها ففي يوم ركب الخليفة في النهر، وكان معه وزيره ابن عمار، وقد كان ابن عمه، وبينما هم في النهر، قال ابن عباد لابن عمه: أجز:
فلم يستطع ابن عمار الرد عليه، على الرغم من أنّه أطال التفكير، وبينما هو صامت، قالت إحدى الغاسلات:
أي درع لقتال لو جمدْ
وعندما سمعها ابن عباد، تعجب من جمال ردها، وعندما نظر إليها رأى فتاة حسناء، فأعجب بها، وسألها قائلًا: هل أنت متزوجة؟، فردت عليه وقالت: لا.
فقام ابن عباد بتزوجها، وقد كان يأنس بحضورها، ويستمتع بحديثها، وقد كانت الرميكية ذات حديث حسن، مِن مَن يقصصن النوادر، ذات حس فكاهة.
وفي يوم وبينما هم بسوق إشبيلية رأت بعض النساء وهنّ يبعن اللبن، وقد كانت أقدامهنّ في الطين، فقالت له: أريد أن أفعل مثلما يفعلن أنا وجواري، فأعادها إلى القصر، وأمر الخدم بإحضار العنبر والمسكوماء الورد، فصنع من كل تربة القصر طينًا، وأحضر لها قربًا وحبالًا، فنزلت هي وجواريها وبدأن يلعبن في الطين، ويروى بأنّه في يوم حصل بينهما مشكلة، فقالت له: والله لم أر منك يومًا جميلًا، فقال لها: ولا يوم الطين، فاستحت وسكتت.
وبعد واقعة النهر بقي ابن عمار حاقدًا على ابن عمه، ومن ثم نازع ابن عباد على حكمه، ومن ثم هجا ابن عمه وزوجته قائلًا:
تخيرتها من بنات الهـجـان
رميكية ما تساوي عقـالا
فجاءت بكل قصير العـذار
لئيم النجارين عمـاً وخـالا
قصار القدود ولـكـنـهـم
أقاموا عليها قروناً طـوالا
أتذكر أيامنـا بـالـصـبـا
وأنت إذا لحت كنت الهلالا
أعانق منك القضيب الرطيب
وأرشف من فيك ماءً زلالا
وأقنع منك بدون الـحـرام
فتقسم جهدك أن لا حـلالا
سأهتك عرضك شيئاً فشـيئاً
وأكشف سترك حالاً فحـالا
ولم تنسَ الرميكية ما قاله فيها ابن عم زوجها، وعندما تمكن ابن عباد من ابن عمار، وسجنه، علمت الرميكية بذلك، وعلمت بأن زوجها يريد أن يعفو عنه، فقالت له في ليلة: لقد شاع بأنّك تريد العفو عنه، أنسيت عندما هجاك، ونال من عرضك؟، فثار غضب ابن عباد، وقام إلى زنزانة ابن عمه، وقام بشق رأسه، ومن ثم عاد إلى زوجته، وقال لها: لقد تركته كالهدهد.