قصة قصيدة - فأي امرئ ساوى بأم حليلة

اقرأ في هذا المقال


ما لا تعرف عن قصيدة “فأي امرئ ساوى بأم حليلة”:

أمَّا عن مناسبة قصيدة “فأي امرئ ساوى بأم حليلة” كانت هذه القصيدة في رثاء صخر أخو الخنساء الشاعرة الصحابية رضي الله عنها، فقالت هذه القصيدة بعد ما أصيب في أحدى الغزوات وبعد هذه الإصابة فقد أقعده المرض وسمع أحداث تطور حالته إلى الأسوأ من الطبيب الذي كان يتحدث مع زوجته.

وهذه القصة ذكرت في كتاب الشعر والشعراء “لابن قتيبة”، في أحد الغزوات التي غزاها صخرًا فخرج منها منتصرًا فأخذ الغنائم والسبايا فكانت أحد هذه الغنائم امرأة تدعى “سليمى” بينما هو مصاب بطعنة وهذه الطعنة سبب له التهاب عميق فمرض بعدها مرض شديد استمر عامًا كاملًا ولم يشفى منه، فكانت تعتني به زوجته وأمه فلما طال هذا المرض ملت منه زوجته وظلت أمه تبكي على حالته، فحدث أن جاءت امرأة على زوجة صخر وسألتها عن زوجها صخر، فقالت لها:

فأيُّ امرئ ساوى بأمٍّ حَليلة
فما عَاشَ إلا في شَقًا وهَوانِ

لا حيٌّ فيُرْجَي ولا ميّتٌ فيُنسى!
لقد لقينا منه الأمَرَّينِ

فسمع صخر بهذه الأبيات بعدها سأل أمه عن حاله فقالت له: الحمدلله قد أصبحت بصحة ونعمة من الله، وعندما أفاق من علته ذهب إلى زوجته، حيث قرر أن ينتقم منها فعلقها على عامود يقع في الحصن بالساحل النيل يدعى “الفسطاط” بقيت معلقة حتى ماتت وقال:

أهمّ بحزم الأمر لو أستطيعه
وقد حيل بين العَير والنّزَوان

وأنشد قصيدة، قائلاً:

أرَى أُمَّ صَخر ما تَملّ عيادتي
ومَلَّت سُلَيمى مَضجعي ومكاني

وما كُنتُ أخشى أن أكون جِنازَةً
عَلَيْــكِ ومَـن يَـغْــتَـرَّ بالـحَدثـانِ

لَعَمري لقد نَبَّـهْتِ من كان نائما
وأسْــمَـعتِ مـن كانـت له أُذُنَـانِ

ولَلموت خَـيرٌ من حياة كَأنَّهـا
مَحِلّةُ يَعْـسـوب بِــرَأس سِـنــانِ

فأَيُّ امرئ سـاوَى بأَمّ حَـليلــةً
فَـمَـا عَـاشَ إلا في شَقًا وهَــوَانِ

فلمّا طال عليه البلاء وتألم من الطعنة فأراد قطع يدهه من مكانها ولكن القوم منعوه عن ذلك فقال لهم: أنا تعبت كثيرًا فالموت أهون علي مما أنا فيه، وعندما رأى القوم اصراره على قطع يده أحضروا له سكينًا ثم قطعها وبعد أن قطعها يئس من حياته فقالت له الخنساء: كيف سوف تصبر على ما أنت فيه؟ وعندما سمعها أنشأ يقول:

أجارتنا إن الخطوب تنوب
على الناس كل المُخطئين تُصيبُ

فإن تسأليهم كيف صبري فإنني
صبور على ريب الزمان صليبُ

كأني وقد أدنوا إليَّ شِفارَهُم
من الصبر دامي الجنبتين نَكِيبُ

أجارتنا لستُ الغداةَ بظاعن
ولكن مقيم ما أقام عَسيبُ

وبعد ذلك بقي كذلك لوقت قليل ثم مات، وعندما وصل خبر وفاته إلى أخته الخنساء حزنت علية حزنًا شديدًا وبقيت تبكي عليه وترثيه حتى تسبب بكائها وحزنها بأن فقدت نظرها، فقالت قصيدة ذات معانٍ حادة وقوية المعنى في رثاء أخيها صخر:

قَذىً بِعَينِكِ أَم بِالعَينِ عُوّارُ
أَم ذَرَفَت إِذ خَلَت مِن أَهلِها الدارُ

في هذا البيت تخاطب الشاعرة “الخنساء” نفسها وهذا يسمى التجريد لأنَّها جردت نفسها من الحزن والألم فهي تبحث عمن يخفف من حزنها وشوقها.
كما استخدمت الشاعرة أسلوب العطف “أم” لكي تعطي للمستمع إحساس ما أصابها وهذا يدل على عبقرية الشعرية عند الخنساء.

كَأَنَّ عَيني لِذِكراهُ إِذا خَطَرَت
فَيضٌ يَسيلُ عَلى الخَدَّينِ مِدرارُ

وهنا في هذا البيت تذكر لنا حادثة مؤلمة وهي أن أخيها تركها ورحل وترك في القلب لوعة وحرقة.

تَبكي لِصَخرٍ هِيَ العَبرى وَقَد وَلَهَت
وَدونَهُ مِن جَديدِ التُربِ أَستارُ

وفي هذا البيت تبين حالنا في زمن الفقد وبكاءها على أخيها صخر، فتقول كلما تذكرت صخر ذكرت معه لوعة الحب وتطرح سؤال تقول: هل للحب والشوق لقاء؟ ولم يكن اللقاء ممكنًا فقد مات أعز الناس عليها ” أخاها صخر”.

تَبكي خُناسٌ فَما تَنفَكُّ ما عَمَرَت
لَها عَلَيهِ رَنينٌ وَهيَ مِفتارُ

وفي هذا البيت يجد الشاعر للخنساء عذرًا لبكائها ونواحها فقد قتلها الوقت وأصيبت بفاجعة الموت على من تعز وتفتقد. وهو الذي رفع لها جوارها وقام بإكرامها، فمنذ مات أخاها صخر وهي تبكيه ولم تنساه يومًا، وبقيت على ذكراه فكان حتى بعد وفاته أغلى الناس على قلبها.

تَبكي خُناسٌ عَلى صَخرٍ وَحُقَّ لَها
إِذ رابَها الدَهرُ إِنَّ الدَهرَ ضَرّارُ

لا بُدَّ مِن ميتَةٍ في صَرفِها عِبَرٌ
وَالدَهرُ في صَرفِهِ حَولٌ وَأَطوارُ


شارك المقالة: