نبذة عن الشاعر الحلاج:
هو الحسين بن منصور الحلاج، يكنّى أبو مغيث، أصله من بيضاء فارس، في عام ثمانمائة وخمسة وثمانون للميلادية، وتوفي في عام تسعمائة واثنين وعشرين ميلادية في بغداد.
مناسبة قصيدة فوالله ما طلعت شمس ولا غربت:
توفي أحدهم فقامت ابنته بكتابة رسالة له، وقالت فيها: أبي، لقد غادرتنا، وتركت في قلبي شوق لن يمحى مهما طال علي الزمان، حتى وإن شاب شعر رأسي، وأصبح ظهري محدودبًا، والله يا أبي إنّي لا أعرف كم سوف أحتاج من الوقت ليستوعب عقلي أنّك لم تعد بيننا ومعنا، وقد كان أملي وأنت على سرير المرض بأن تشفى مما كان فيك، وتقوم وتبقى بيننا.
وأكملت: أبي، إنّ دموعي التي نزلت على رأسك في تلك اللحظة التي ودعتك فيها كانت كافية لكي توقظك، وتصحو من غفوتك، فتهون علي مصيبتي التي أنا فيها، كنت أريدك أن تصحو وتقول لي لا تبكي يا حبيبتي فإنّي بخير، ولكن سرعان ما غادرني هذا الأمل، وتأكدت بأن هذه النومة هي نومتك الأخيرة.
وأكملت قائلة: أبي، الآن وبعد أربع سنين كاملة، ما زال منظر جسدك النائم على السرير الأبيض أمام أعيني، لم أستطع نسيان ذلك اليوم، فهو اليوم الذي فارقت به السعادة قلبي، حتى وإن كنت من بعد ذلك اليوم أضحك وأتحدث وأخالط الناس، فإن الحسرة والحزن لم يفارقا قلبي وما زالا يعتصرانه.
وأكملت الفتاة قائلة: أبي الحبيب، عندما أشعر ببرودة الشتاء، وأشتم رائحة الحطب التي كنت تحبها، تشتعل أحزاني من جديد، وتجدد لهيب شوقي إلى وجهك الجميل، فأصبح أناجيك وأبحث عنك في جميع أرجاء البيت، وخاصة بجوار كانون النار، لعلي أسمع صوتك وأنت تنادي علي، أو لعلي أرى وجهك أمامي، والله يا أبي ما جلست لوحدي إلا ورأيتك أمامي بكل وقارك، فتأخذ عيناي بالبكاء حزنًا وألمًا وشوقًا إليك، ولم أضع رأسي على وسادتي إلا وتذكرت كل وقتي معك، واستحضرت كل الأيام التي مرقت، فليس بيدي حيلة إلّا أن أذرف الدموع على رحيلك يا أغلى إنسان.
وأكملت قائلة: أبي عندما كنت معنا، كنت أنت مصدر سعادتي، وكان حضنك هو الحضن الدافئ الذي أرتمي فيه عندما تصعب علي الحياة، فعندما كنت أجلس معك وأتحدث إليك تزول عني كل همومي، ومع كثر اشتكائي، كان قلبك الحنون يتسع لي، فيفيض علي بفيض من الطهارة والأبوة والحب الحقيقي، ولكنك الآن قد رحلت عنا أيها الأطهر والأجمل والأحن.
وأكملت قائلة: لقد تركتنا من بعدك ونحن منهكون من الشوق والحنين لك، فيكفينا أن نسمع صوتك، أو أن نتنفس رائحتك، أو أن ننظر إلى وجهك، أبي ما أجمل الدعاء منك لنا، وما أحسن نصائحك التي كنت تنصحنا إياها، إنّ فراقك ألم وفجيعة، ولا يشعر بمثل هذا الألم إلا من عاش الفراق، فوالله إنّ أصعب اللحظات هي اللحظة التي تقف فيها عاجزًا وقد رحل عنك من تحب.
وأكملت قائلة: لقد كنت لنا كالقمر الذي يطل علينا في كل مساء، فيضيء عتمة ليلنا، وبه نتذكر بأن من بعد الظلام لا بد أن يأتي النور، ومن بعدك أصبحت كل حياتي ظلامًا، أبي الحبيب أتمنى أن بعود بي العمر إلى الوراء، لكي أعيش معك من جديد وأجلس تحت قدميك، وأقبلهما، فوالله إنّي أندم على كل لحظة مرت علي لم أقظها معك، أتمنى أن يعود بي الزمن إلى الوراء لكي أقول لك أنّي أحبك، وأخبرك بأنّك أغلى إنسان على قلبي، وأنك كنت نور حياتي وزينتها.
وقد قال الحلاج:
وَاللَه ما طَلَعَت شَمسٌ وَلا غَرُبَتإ
إِلّا وَحُبُّكَ مَقرونٌ بِأَنفاسي
وَلا جَلستُ إِلى قَومٍ أُحَدِّثُهُمإ
إِلّا وَأَنتَ حَديثي بَينَ جُلّاسي
وَلا ذَكَرتُكَ مَحزوناً وَلا فَرِحاً
إِلّا وَأَنت بِقَلبي بَينَ وِسواسي
وَلا هَمَمتُ بِشُربِ الماءِ مِن عَطَشٍ
إلّا رَأَيتُ خَيالاً مِنكَ في الكَأسِ
وَلَو قَدَرتُ عَلى الإِتيانِ جِئتُكُم
سعيًا عَلى الوَجهِ أَو مَشياً عَلى الرَأسِ