قصة قصيدة “لعمري لقد أشجى تميماً وهدها”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “لعمري لقد أشجى تميماً وهدها “فيروى بأنّه عندما توفي الفرزدق همام بن غالب بن صعصعة الدارمي التميمي، ووصل خبر ذلك إلى الجرير بن عطية الكلبي اليربوعي التميمي، وكان يومها في البادية، قام باعتراض الطريق على أعرابي قادم من جهة البصرة، فإذا به على ناقته، فقال له: من أين أتيت ومن أي عرب أنت؟، فقال له الأعرابي: من البصرة، ومن بني حنظلة، فقال له الجرير: وهل من هنالك خبر؟، فقال له الأعرابي: نعم، بينما أنا بالمربد، فإذا بجنازة كبيرة، قد شهدها الكثير من الناس، وكان فيها الحسن بن أبي حسن البصري.
فقال له الجرير: ولمن هذه الجنازة؟، فقال له الأعرابي: هي جنازة الفرزدق، فبكي الجرير بكاءً شديدًا، فقال له من كان معه: أتبكي على الفرزدق وقد بقيت تهجوه ويهجوك منذ أربعين سنة؟، فقال لهم الجرير: إليكم عني، والله لم يتبارى رجلان، ولم يتناطح كبشان، ومات واحد منهما، إلا ومات الآخر بعده عن قريب، وأنشد يرثي الفرزدق بقصيدة حزينة مبكية، قائلًا:
لَعَمري لَقَد أَشجى تَميماً وَهَدَّها
عَلى نَكَباتِ الدَهرِ مَوتُ الفَرَزدَقِ
عَشِيَّةَ راحوا لِلفِراقِ بِنَعشِهِ
إِلى جَدَثٍ في هُوَّةِ الأَرضِ مُعمَقِ
لَقَد غادَروا في اللَحدِ مَن كانَ يَنتَمي
إِلى كُلِّ نَجمٍ في السَماءِ مُحَلِّقِ
ثَوى حامِلُ الأَثقالِ عَن كُلِّ مُغرَمٍ
وَدامِغُ شَيطانِ الغَشومِ السَمَلَّقِ
عِمادُ تَميمٍ كُلِّها وَلِسانُها
وَناطِقُها البَذّاخُ في كُلِّ مَنطِقِ
فَمَن لِذَوي الأَرحامِ بَعدَ اِبنِ غالِبٍ
لِجارٍ وَعانٍ في السَلاسِلِ موثَقِ
وَمَن لِيَتيمٍ بَعدَ مَوتِ اِبنِ غالِبٍ
وَأُمِّ عِيالٍ ساغِبينَ وَدَردَقِ
وَمَن يُطلِقُ الأَسرى وَمَن يَحقُنُ الدِما
يَداهُ وَيَشفي صَدرَ حَرّانَ مُحنَقِ
وَكَم مِن دَمٍ غالٍ تَحَمَّلَ ثِقلَهُ
وَكانَ حَمولاً في وَفاءٍ وَمَصدَقِ
وَكَم حِصنِ جَبّارٍ هُمامٍ وَسوقَةٍ
إِذا ما أَتى أَبوابَهُ لَم تُغَلَّقِ
تَفَتَّحُ أَبوابُ المُلوكِ لِوَجهِهِ
بِغَيرِ حِجابٍ دونَهُ أَو تَمَلُّقِ
لِتَبكِ عَلَيهِ الإِنسُ وَالجِنُّ إِذ ثَوى
فَتى مُضَرٍ في كُلِّ غَربٍ وَمَشرِقِ
فَتىً عاشَ يَبني المَجدَ تِسعينَ حِجَّةً
وَكانَ إِلى الخَيراتِ وَالمَجدِ يَرتَقي
فَما ماتَ حَتّى لَم يُخَلِّف وَرائَهُ
بِحَيَّةِ وادٍ صَولَةٍ غَيرَ مُصعَقِ
ثم توفي جرير بعد ذلك بأربعين يومًا.