قصة قصيدة “لقيتها ليتني ما كنت ألقاها”:
وكل قصيدة في الشعر العربي تحلو ووراء كل حرف من حروفها هدف وغاية سنكتبها ونبحر في هواها، بدايتها تطيب مثل نهايتها، هذه القصيدة “لقيتها ليتني ما كنت ألقاها” للشاعر العراقي المشهور معروف الرصافي، نشأ في بغداد وترعرع فيها، وتعود أصول عائلته إلى عشيرة الجبارين وهي عشيرة كردية، وعمل في حقل التعليم، ودعا إلى بناء المدارس ونشر العلم، وله عدّة دواوين شعرية.
أمَّا عن قصة قصيدة “لقيتها ليتني ما كنت القاها” يحكى أن معروف الرصافي كان جالسًا في دكان صديقة في أحد أحياء مدينة بغداد، وإذ بامرأة تمر من أمامه، وكان يستدل من مظهرها على فقرها، وكانت تحمل صحنًا فهمست لصاحبه بكلام ثم انصرفت، تعجب معروف الرصافي من ذلك وسأل صاحبه عن أمرها وألح عليه حتى أخبره بأنّها أرملة، وهي تعيل يتيمين وتريد أن ترهن الصحن بأربعة قروش كي تشتري طعامًا لهما.
فلحق معروف الرصافي بها وأعطاها اثنى عشر قرشًا، وكانت هذه القروش كل ما يملك في جيبه، فأخذت الأرملة القروش في تردد وحياء وعرضت الصحن على الرصافي، فرفض أن يأخذه، وغادر على الفور إلى بيته وجلس مع نفسه وكتب هذه القصيدة والدموع تنهمر من عينيه.
نص قصيدة “لقيتها ليتني ما كنت ألقاها”:
تعد هذه القصيدة من روائع الشعر العربي في عصر النهضه، إذ يقول في مطلعها:
لقيتها ليتني ما كنت ألقاها
تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها
أثوابها رثّةٌ والرجل حافية
والدمع تذرفه في الخدّ عيناها
بكت من الفقر فاحمرّت مدامعها
واصفرّ كالورس من جوع محيّاها
مات الذي كان يحميها ويسعدها
فالدهر من بعده بالفقر أشقاها
الموت أفجعها والفقر أوجعها
والهمّ أنحلها والغمّ أضناها
وقال أيضاً:
وأجشهت ثم قالت وهي باكية
واهاً لمثلك من ذي رقة واها
لو عمّ في الناس حسَنٌ مثل حسّك لي
ما تاه في فلوات الفقر من تاها
أو كان في الناس إنصاف ومرحمة
لم تشك أرملة ضنكاً بدنياها
هذي حكاية حال جئت أذكرها
وليس يخفي على الأحرار مغزاها
أولى الأنام بعطف الناس أرملةٌ
وأشرف الناس من في المال واساها