قصة قصيدة “لما رأيت الأرض قد سد ظهرها”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “لما رأيت الأرض قد سد ظهرها” فيروى بأنّه عندما وصل خالد بن عبد الله القسري إلى العراق، أوثق عمر بن هبيرة وحبسه في بيت الحكم بن أيوب الثقفي، في منطقة واسط، وكان لابن هبيرة غلمان من الروم، وكانوا يعلمون بصناعات الروم وأعمالهم، فجاؤوا ونزلوا قريبًا من السجن الذي فيه ابن هبيرة، وكان يفصلهم عنه طريق، فحفروا سردابًا، وسقفوه بالساج “نوع من النباتات الاستوائية، أخشابه صلبة”، وحفروه باتجاه بيت الحكم بن أيوب، حتى انتهى الحفر إلى بيته، وقد جهزوا له الخيل، وعندما أخرجوه من البيت، ركب الخيل واتجه نحو الشام، وبقي كذلك حتى وصل إلى بيت مسلمة بن عبد الملك في الليل.
وبلغ خبر هروب عمر بن هبيرة من السجن وهروبه إلى الشام، وأنّه استجار بمسلمة بن عبد الملك، إلى خالد بن عبد الله، فقام باستدعاء سعيد بن عمرو الحرشي، وقد كان سعيد من أكثر الناس عداوة لابن هبيرة، وقال له: سر وراء ابن هبيرة، فخرج سعيد يريد رأسه، وبقي يقتفي أثره، حتى أدركه ووقع على خبره، ومن ثم بعث إلى خالد بخبر ذلك، ولكنّه لم يستطع قتله، وعاد خائبًا إلى خالد.
وبعد فترة لقي خالد ابن هبيرة على باب هشام بن عبد الملك، وقال له: هربت هروب العبيد، فقال له ابن هبيرة: هربت حينما نمت نوم النساء، وفي ذلك قال الفرزدق:
لَمّا رَأَيتَ الأَرضَ قَد سُدَّ ظَهرُها
وَلَم تَرَ إِلّا بَطنَها لَكَ مَخرَجا
دَعَوتَ الَّذي ناداهُ يونُسُ بَعدَما
ثَوى في ثَلاثٍ مُظلِماتٍ فَفَرَّجا
فَأَصبَحتَ تَحتَ الأَرضَ قَد سَرتَ لَيلَةً
وَما سارَ سارٍ مِثلَها حينَ أَدلَجا
هُما ظُلمَتا لَيلٍ وَأَرضٍ تَلاقَتا
عَلى جامِحٍ مِن أَمرِهِ ما تَعَرَّجا
خَرَجتَ وَلَم يَمنُن عَلَيكَ طَلاقَةً
سِوى رَبِذِ التَقريبِ مِن آلِ أَعوَجا
أَغَرَّ مِنَ الحُوِّ الجِيادِ إِذا جَرى
جَرى جَريَ عُريانِ القَرا غَيرِ أَفحَجا
جَرى بِكَ عُريانُ الحَماتَينِ لَيلَةً
بِها عَنكَ راخى اللَهُ ما كانَ أَشنَجا
وَما اِحتالَ مُحتالٌ كَحيلَتِهِ الَّتي
بِها نَفسَهُ تَحتَ الضَريحَةِ أَولَجا
وَظَلماءَ تَحتَ الأَرضِ قَد خُضتَ هَولَها
وَلَيلٍ كَلَونِ الطَيلَسانِيِّ أَدعَجا