قصة قصيدة “ماتت لبينى فموتها موتي”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “ماتت لبينى فموتها موتي” فيروى بأنّ قيس بن ذريح قد تزوج من محبوبته لبنى بنت الحباب، وذلك بعد رفض من أبيه، ولكنّه وبعد أن توسط له الحسين بن علي، وافق على ذلك، وبعد ان تزوجا عاش قيس ولبنى حياة من أجمل ما يكون، ولكن عدم قدرتها على الإنجاب كان سببًا في طلاقهما، على الرغم من حب قيس لها، وبعد أن طلقها وعادت إلى مكة المكرمة، أهدر الخليفة معاوية بن أبي سفيان دمه إن هو تعرض لها، فمرض مرضًا شديدًا، وزوجه أباه من غيرها، فتزوجت هي الأخرى.
وبعد أن تزوجت لبنى، عاد بها زوجها إلى المدينة المنورة، وقد كان قيس من سكانها، فزاد قربها منه من أسفه وحسرته وندمه على فراقها، وعندها قرر أن يلجأ يزيد بن معاوية، لكي يتوسط له عند الخليفة معاوية بن أبي سفيان الذي قام بإهدار دمه، فتوسط له يزيد ونجحت وساطته، فقد عفا الخليفة عنه، وعندها قام بزيارة حبيبته لبنى، وبقي يزورها حتى شاع خبر ذلك في كافة أرجاء المدينة، ووصل خبر ذلك إلى زوجها، فساءت العلاقة بينه وبينها، وثار عليها، ولكنّها لم تبالي لذلك، وطلبت منه أن يطلقها إن هو أراد.
ولكنّ زوجها كان يعلم أن لا ذنب لها بما يحصل، فهدأ وأراد أن يصلحها، فقام باستدعاء الجواري، وطلب منهنّ أن يغنين أشعار قيس لزوجته، فتعقدت الأمور في وجه قيس مرّة أخرى، فازدادت عليه الهموم والأعباء، وبدأت صحته بالتدهور، وأصبح كالمجنون، ولم يكن له من سبيل إلا شعره، فتارة ينشد:
إِذا ذُكِرَت لُبنى تَأَوَّهَ وَاِشتَكى
تَأَوُّهَ مَحمومٍ عَلَيهِ البَلابِلُ
يَبيتُ وَيُضحي تَحتَ ظِلِّ مَنيَّةٍ
بِهِ رَمَقٌ تُبكي عَلَيهِ القَبائِلُ
قَتيلٌ لِلُبنى صَدَّعَ الحُبُّ قَلبَهُ
وَفي الحُبِّ شَغلٌ لِلمُحِبّينَ شاغِلُ
وتارة ينشد:
أَلا لَيتَ أَيّامَ مَضَينَ تَعودُ
فَإِن عُدنَ يَوماً إِنَّني لَسَعيدُ
سَقى دارَ لُبنى حَيثُ حَلَّت وَخَيَّمَت
مِنَ الأَرضِ مُنهَلُّ الغَمامِ رَعودُ
عَلى كُلِّ حالٍ إِن دَنَت أَو تَباعَدَت
فَإِن تَدنُ مِنّا فَالدُنوُّ مَزيدُ
فَلا اليَأسُ يُسليني وَلا القُربُ نافِعي
وَلُبنى مَنوعٌ ما تَكادُ تَجودُ
كَأَنِّيَ مِن لُبنى سَليمٌ مُسَهَّدٌ
يَظَلُّ عَلى أَيدي الرِجالِ يَميدُ
رَمَتني لُبَينى في الفُؤادِ بِسَهمِها
وَسَهمُ لُبَينى لِلفُؤادِ صَيودُ
سَلا كُلُّ ذي شَجوٍ عَلِمتُ مَكانَهُ
وَقَلبي لِلُبنى ما حَيِيتُ وَدودُ
وَقائِلَةٍ قَد ماتَ أَو هُوَ مَيِّتٌ
وَلِلنَفسِ مِنى أَن تَفيضَ رَصيدُ
وبعد ذلك شاء الله سبحانه وتعالى أن تنتهي قصة حب قيس ولبنى، فقد توفيت لبنى، وعندما وصل خبر موتها إلى ابن الذريح، خرج إلى قبرها، ورمى بنفسه عليه، وأنشد قائلًا:
ماتَت لُبَينى فَمَوتُها مَوتي
هَل تَنفَعَن حَسرَةٌ عَلى الفَوتِ
وَسَوفَ أَبكي بُكاءَ مُكتَإِبٍ
قَضى حَياةً وَجداً عَلى مَيتِ
وبقي يبكي حتى أغمي عليه، فحمله من كان معه وأعادوه إلى بيته، وبقي مريضًا عليلًا، ومات بعدها بثلاثة أيام.