قصة قصيدة ” مضى زمن والناس يستشفعون بي “:
أمّا عن مناسبة قصيدة ” مضى زمن والناس يستشفعون بي” فيروى بأنّ قيس بن الملوح والمكنى بمجنون ليلى عندما كان صغيرًا، وكانت ليلى ابنة عمّه، كانت في نفس عمره تقريبًا، فكانا يجتمعان في بهم ” مكان للأغنام عندهم “، يتحدثان مع بعضهما، وعندما كبرا أصبح حبهما يزيد ويكبر كل يوم، لا بل كل ساعة.
وقد كانت ليلى عالمة في الشعر العربي وآدابه، وأحداث العرب قبل الإسلام وبعده، ومن حسن علمها أصبح فتيان بنو عامر يجتمعون عندها ينشدون الشعر ويسمعون لها، وكان منهم قيس بن الملوح، وقد كان قيس أحب فتيان بنو عامر وأكرمهم عندها، فكان إذا احتاج أحدهم شيئًا منها توسل إليها في قيس، وبقيا هكذا برهة من الزمن، حتى ذاع خبرهما وفشي سرهما، وشك فيها قومها.
وفي يوم همّ قيس بسؤال ليلى عن حاجة في نفسه ليرى هل مكانته في قلبها، كمكانتها في قلبه، ولكن عيناه إغرورقتا بالدمع وتوقف عن الكلام، فلم يستطع أن يسألها، وأنشد يقول:
مضى زمن والناس يستشفعون بي
فهل لي إلى ليلى الغداة شفيع
يضعفني حبيك حتي كأنّني
من الأهل والمال التليد نزيع
إذا ما لحاني العاذلات بحبها
أبت كبدي ممّا أجن صديع
مدي الدهر أو يندي الصفا من متونه
ويشعب من كسر الزجاج صدوع
وحتي دعاني الناس أحمق مائقاً
وقالوا تبوع للضلال مطيع
وكيف أطيع العاذلات وحبها
يؤرقني والعاذلات هجوع
وقال لها أيضًا:
تعلقت ليلى وهي غر صغيرة
ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البَهمَ ياليت أنَّنا
إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البَهمُ
وعندما سمعت ليلى كلامه بدأت بالبكاء وقالت له:
كِلانا مُظهرٌ للنَّاسِ بُغضاً
وكلٌّ عندَ صَاحِبهِ مَكِينُ
تُبَلِّغُنَا العُيُونُ بِمَا أَرَدْنَا
وَ فِي القَلْبَينِ ثَمَّ هَوىً دَفِينُ
وَأَسرَارُ اللَّواحِظِ لَيسَ تَخفَى
وَ قَد تُغْرِي بِذِي الخَطَأ الظُّنُونُ
وَ كَيف يَفوتُ هَذا النَّاس شيء
وَما في الناسِ تظهرهُ العيونُ
وعندما سمع ما قالت وقع مغشيًا عليه وعندما أفاق قال:
صَريعٌ مِنَ الحُبِّ المُبَرِّحِ وَالهَوى
وَأَيُّ فَتىً مِن عِلَّةِ الحُبِّ يَسلَمُ
وبعدها تفطّن من كانوا يجالسونهم إلى الحب الذي بينهما، فقاموا بإخبار أباها عنهم، فأبعدها عنه وعن كل أهل القبيلة، وشكى أمره إلى السلطان، فأمر السلطن بأن يهدر دمه إن لم يعدل عمّا هو عليه، فلمّا أبعدوها عنه أنشد يقول:
أَلا حُجِبَت لَيلى وَآلى أَميرُها
عَلَيَّ يَميناً جاهِداً لا أَزورُها
وَأَوعَدَني فيها رِجالٌ أَبَرَّهُم
أَبي وَأَبوها خُشِّنَت لي صُدورُها
عَلى غَيرِ شَيءٍ غَيرَ أَنّي أُحِبُّها
وَأَنَّ فُؤادي عِندَ لَيلى أَسيرُها
وَأَنّي إِذا حَنَّت إِلى الإِلفِ إِلفُها
هَفا بِفُؤادي حَيثُ حَنَّت سُحورُها