قصة قصيدة “مهلا نوار أقلي اللوم والعذل”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “مهلاً نوار أقلي اللوم والعذل” فيروى بأنّ نجد أصابتها سنة اقشعرت لها الأرض، فكانت سنة جفاف، سماؤها مغبرة، وكانت الإبل لا تجد الماء لتشرب، وجف حليب المواشي، فلم ترضع أطفالها، وفي ليلة من ليالي هذه السنة لم تجد زوجة حاتم الطائي ما تطعم أولادها، عبدالله وعدي وسفانة، فقام حاتم إلى الولدين، وقامت زوجته إلى الفتاة، وحاولوا أن يهدئوهم لكي يناموا، ولكنّهم لم يناموا إلا عندما اقترب الصباح، وعندما نام الأطفال نام حاتم وزوجته.
وبينما هم نائمون، وإذ بصوت قريب من البيت، فقال حاتم: من هذا، فذهب الصوت وعاد بعد برهة، فقال حاتم: من هذا؟، فذهب الصوت، ثم عاد تارة أخرى بعد برهة، فقال حاتم: من هذا؟، فردت إحداهن قائلة: جارتك، لقد أتيتك من عند صبيان يتعاوون كعواء الذئب من الجوع، فلم أجد أحدًا أسأله سواك يا أبا عدي، فقال لها حاتم: والله لأشبعنهم، فقالت له زوجته: ومن أين؟، فقال لها: لا عليك، ومن ثم قال للمرأة: أحضريهم، فأقبلت وهي تحمل طفلين، ويمشي بجانبها أربعة آخرون.
فقام حاتم الطائي إلى حصانه، وضرب رقبتها، فخرت إلى الأرض، ثم كشط عنها جلدها، وأخذ لحمها، ووضعه على النار، وعندما نضج اللحم، أخذه إلى المرأة، وقال لها: شأنك الآن، فاجتمعت هي والأطفال على اللحم، ومن ثم خرج حاتم من المنزل، وأخذ يذهب من بيت إلى آخر، ويقول: هلموا أيّها القوم، عليكم بنارنا، فاجتمع القوم، وأخذوا يأكلون، وعندما أتى الصباح لم يبقَ على الحصان سوى العظم والحوافر، فعذلته زوجته على ذلك، فأنشدها حاتم قائلًا:
مَهلاً نَوارُ أَقِلّي اللَومَ وَالعَذَل
وَلا تَقولي لِشَيءٍ فاتَ ما فَعَلا
وَلا تَقولي لِمالٍ كُنتُ مُهلِكَهُ
مَهلاً وَإِن كُنتُ أُعطي الجِنَّ وَالخَبلا
يَرى البَخيلُ سَبيلَ المالِ واحِدَةً
إِنَّ الجَوادَ يَرى في مالِهِ سُبُلا
إِنَّ البَخيلَ إِذا ما ماتَ يَتبَعُهُ
سوءُ الثَناءِ وَيَحوي الوارِثُ الإِبِلا
فَاِصدُق حَديثَكَ إِنَّ المَرءَ يَتبَعُهُ
ما كانَ يَبني إِذا ما نَعشُهُ حُمِلا
لَيتَ البَخيلَ يَراهُ الناسُ كُلُّهُمُ
كَما يَراهُم فَلا يُقرى إِذا نَزَلا
لا تَعذِليني عَلى مالٍ وَصَلتُ بِهِ
رَحماً وَخَيرُ سَبيلِ المالِ ما وَصَلا
يَسعى الفَتى وَحِمامُ المَوتِ يُدرِكُهُ
وَكُلُّ يَومٍ يُدَنّي لِلفَتى الأَجَلا
إِنّي لَأَعلَمُ أَنّي سَوفَ يُدرِكُني
يَومي وَأُصبِحُ عَن دُنيايَ مُشتَغِلا
فَلَيتَ شِعري وَلَيتٌ غَيرُ مُدرِكَةٍ
لِأَيِّ حالٍ بِها أَضحى بَنو ثُعَلا
أَبلِغ بَني ثُعَلٍ عَنّي مُغَلغَلَةً
جَهدَ الرِسالَةِ لا مَحكاً وَلا بُطُلا
أُغزوا بَني ثُعَلٍ فَالغَزوُ حَظُّكُمُ
عُدّوا الرَوابي وَلا تَبكوا لِمَن نَكَلا
وَيهاً فِداؤُكُمُ أُمّي وَما وَلَدَت
حاموا عَلى مَجدِكُم وَاِكفوا مَنِ اِتَّكَلا