ما لا تعرف عن قصيدة “وما جهلت أياديك البوادي”:
تعدّ هذه القصيدة من قصائد أبو الطيب المتنبي في المدح والحب والإشفاق، أيّ أنت الذي بك بقاؤهم فإذا غضبت عليهم فقد غضبت عليهم حياتهم ولا عقوبة فوق هجر الحياة.
وما جهلت أياديك البوادي
ولكن ربما خفي الصواب
في هذا يقصد المتنبي أبو فراس الحمداني قائلاً: أن الناس لم يجهلوا فضلك عليهم ولكن أختفت الحقيقة عنهم.
وكم ذنب مولده دلال
وكم ذنب مولده اقتراب
وهنا في هذا البيت حكمة يقول كم من خطأ يتولد من الدلال وكم من خطأ يتولد منه قرب، يوجه لسيف الدولة الحمداني نصيحة يقول فيها: كم قدمت من أحسان لهم ولكن صار بحقك ذنبًا.
وجرم جره سفهاء قوم
فحل بغير جارمه العذاب
في هذا البيت يقول: كم من جرمًا قاموا به السفهاء فأبتلي به من لا ذنب له.
فإن هابوا بجرمهم عليا
فقد يرجو عليا من يهاب
هنا يستمر المتنبي بقصيدته قائلاً: أنهم خافوا بسبب اتهامهم فإنهم يبتعدوا؛ لأنه مصدر الهيبة.
وإن يك سيف دولة غير قيس
فمنه جلود قيس والثياب
وتحت ربابه نبتوا وأثوا
وفي أيامه كثروا وطابوا
وهنا يقصد الشاعر أن الرباب هو عبارة عن غيوم تتعلق بالسحب من تحتها ويميل لونها إلى السواد بالسحاب من تحته يضرب إلى السواد وفي ذلك قال أحد الشعراء، كأن الرباب دوين السحاب، نعام تعلق بالأرجل، وذلك يعني أنه هو وعائلته تربوا من نعمه وإحسانه عليهم مثل الأشجار التي تنموا من ماء السحب.
وتحت لوائه ضربوا الأعادي
وذل لهم من العرب الصعاب
وفي هذا البيت يقول الشاعر بأنهم أصبحوا أقوياء وتمكنوا من أعدائهم بسبب انتسابهم له وخدمتهم له فأصبح جميع الأعراب منقادون لهم وهم في العادة لاينقادون لأي أحد.
ولو غير الأمير غزا كلابا
ثناه عن شموسهم ضباب
وهنا يذكر الشاعر قوتهم وشجاعتهم وأنه لو أتاهم أي أحد غير سيف الدولة لما استطاع الظفر بهم وذلك لأنه لو غزاهم غيره لكان مشغولًا بما يمكن أن يلقى منهم وذلك قبل أن يصلهم وبأن يستبيح نسائهم وبأن القليل منهم يستقبلوه فيمنعوه من الوصول إلى كثيرهم فالضباب هنا كناية عن الرعاع والشمس كناية عن الأسياد، وبذلك يمنع الضباب رؤية الشمس.
ولاقى دون ثأيهم طعانا
يلاقي عنده الذئب الغراب
وفي هذا البيت يقصد الشاعر أن الحجارة الموجودة حول البيت التي يأوي إليها الراعي في الليل والتي يوجد بها مرابض الأغنام ومبارك الإبل، وهذه كناية عن أن الوصول إلى هذا المكان عندهم أصبح مستحيلًا، ففي طريقه إليهم كثر الطاعون الذين يريدون قتله فيجتمع عليه بعد لك الذئاب والغربان.
وخيلا تغتذى ريح الموامي
ويكفيها من الماء السراب
وهنا يقول الشاعر أنه لقي خيولًا اعتادت على قطع المسافات الكبيرة من دون أن تأكل العلف أو تشرب الماء فكان غذائها الريح الذي يضرب بها وهي تركض من سرعتها وماءها السراب فهي خيل عربية أصيلة متعودة على قلة الماء والطعام.
ولكن ربهم أسرى إليهم
فما نفع الوقوف ولا الذهاب
وهنا يقول بأنهم لم ينتفعوا من الوقوف في أماكنهم لكي يدافعوا ويحاموا عن ديارهم ولا من الهروب لأنهم إذا وقفوا في مكانهم قتلوا، وإن هم هربوا أدركوا وقتلوا أيضًا.
ولا ليل أجن ولا نهار
ولا خيل حملن ولا ركاب
وفي هذ البيت يقول الشاعر بأن الليل لم يسترهم ولم يختفوا في النهار، وأن الخيول لم تعدّ قادرة على حملهم، كل ذلك لأن سيف الدولة هو الذي طلبهم.
رميتهم ببحر من حديد
له في البر خلفهم عباب
فقام سيف الدولة بجعل جيشه كالبحر الممتلئ بالحديد من كثر الأسلحة التي يحملونها، وجعلهم بعد ذلك يموجون في أثرهم ويسيرون ورائهم.
فمساهم وبسطهم حرير
وصبحهم وبسطهم تراب
وقد أتاهم في المساء فبسط لهم الأرض حريرًا ولم يطلع عليهم الصباح إلا وهم مقتولين، فاستبدل الحرير ترابًا.
ومن في كفه منهم قناة
كمن في كفه منهم خضاب
فأصبح الرجال منهم كالنساء متخاذلين ومنقادين.
بنو قتلى أبيك بأرض نجد
ومن أبقى وأبقته الحراب
ويقول الشاعر في هذا البيت أنه يريد ما كان من والد سيف الدولة الحمداني مع بني كلاب.
عفا عنهم وأعتقهم صغارا
وفي أعناق أكثرهم سخاب
ويقول في ها البيت أنه يريد أن يفعل سيف الدولة كوالده فيقتل كبارهم ويعفو عن صغارهم.
فكلكم أتى مأتى أبيه
وكل فعال كلكم عجا