قضايا النثر في العصر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


نقف في هذا المقال على أبرز قضايا النثر الأندلسي التي كان واضح عليها تأثرها بالنثر في المشرق، فلقد تناولوا رسائل ديوانية وشخصية وكذلك الخطب والوصايا، وتميزوا في فن الرسائل الأدبية التأليفية وأيضًا في فن القصة الفلسفية، وسنتاول في هذا المقال أبرز النماذج التي وصلت إلينا.

قضايا من النثر في العصر الأندلسي

من أهم قضايا النثر في العصر الأندلسي ما يلي:

الرسائل الديوانية

اهتم الخلفاء الأمويين بالرسائل الديوانية منذ عصر عبد الرحمن الداخل الذي سار على نهج أجداده في المشرق، ثم تتابع الخلفاء من بعده يهتمون بالدواوين، وذلك لكثرة اهتمامهم في شؤون الدولة في القضاء والمال والحرب وغير ذلك، وحاجتهم المستمرة إلى التخطيط، وكثر ذلك في عهد عبد الرحمن الناصر.

كذلك حظيت باهتمام الحاجب المنصور، وذاع في عهده كثرة الاهتمام بالسجع، وفي عصر الطوائف بلغت الرسائل الديوانية قمتها إثر التنافس بين ملوك الطوائف. من أشهر الكتاب محمد بن عامر البزلياني الذي كان يعمل رئيسًا لديوان غرناطة لبني زيري، ثم توجه للعمل رئيسًا في ديوان إشبيلية للمعتضد الذي قتله لما انحياز لملوك الطوائف الذين اتحدوا مع النصارى في حروب بعضهم، وابن عبد البر حافظ المغرب، ولسان الدين بن الخطيب.

 الرسائل الأدبية

انتشرت الرسائل الأدبية في العصر الأندلسى على امتداد ذلك عصر، وبسبب الحروب مع نصارى الشمال كتبوا رسائل الاستنجاد والاستصراخ بالمسلمين من أجل إنقاذ الأندلس وبذلك ظهرت كتابة الرسائل الأدبية، ولقد ظهر من الرسائل الأدبية ما هو رسائل شخصية ورسائل أدبية بحتة، وكان سبب انتشار الرسائل الأدبية ما تمتع به أهل الأندلس وأدبائها من فصاحةٍ وبلاغةٍ فذة، ومن أشهر الرسائل الأدبية في ذلك العصر ما يأتي:

رسالة الزوابع والتوابع

لأبي عامر أحمد بن عبد الملك بن أحمد بن شُهيد الأشجعي الأندلسي، وهو عربي الأصل والمنشأ، اهتم به الحاجب المنصور وكان تحت رعايته، وشهد نكبة الدولة الأموية وكان لها أثر كبير في نفسه فلقد تأثر بها كثيرًا، وأشهر أعماله رسالة التوابع والزوابع وهي رسالةٌ نقديةٌ بحتة كتبها بأسلوبٍ أدبي رائع، والتابع هو الجن والزوبعة هو كبير الجن. كما أنّ الرسالة هي من وحي الخيال تناول فيها رحلته التي قابل فيها شياطين أشهر الشعراء ،وكان قد سمى شيطان كل شاعرٍ باسمه، وذكر مقابلته لهم والحوار الذي دار بينه وبين كل شيطان منهم ، وكيف أنّ هؤلاء اعترفوا له بالتفوق والعبقرية في الشعر، وهو أيضًا يعرض ما جرى بينهم من مطارحات أدبية، وفي شعر الشعراء بطريقة أدبية دخل فيه الهزل.

رسالة السيف والقلم

وهي للإمام زين الدين عمر بن مظفر ابن الوردي الشافعي، كان مسؤول عن ديوان الإنشاء للحاجب المنصور، ثم تولى الدواوين لأمراء من بعده، وقد اهتم في تربيته جده واعتنى به كثيرًا، ورسالة السيف والقلم هي عبارة عن مناظرة بين السيف والذي يدل على القوة والشجاعة والحكم والقلم الذي يدل على البلاغة والبيان والذكاء والعقل. دون أن يضعف أحدهما للآخر، وانتهيا بالاتفاق والاتحاد معًا دون أنّ يتفرقا، وابن يبرد يُبين في هذه الرسالة عن بلاغةٍ وبيانٍ، وقدرته على الحجاج والكلام، إذ كان يتكلم بلسان كلّ منهما ويُقدم الحجج عنه.

رسالة أهب الشاة

وهي لابن برد الأصغر، كتبها ردًا منه على من كان يعيب عليه في استخدام جلود الشياه في الصيف والشتاء، وكان الأفضل أن يستخدم البساط الناعم لينعم به، فردّ عليه فيها وقد أظهر فيها القدرة الفائقة في إيراد الحجج، حتى ليجعل الأقل قيمة هو الأعلى والأعلى هو الأقل، وقد وظف حججه بلغةٍ قويةٍ بليغةٍ ولفظٍ خفيفٍ على السامع. وكما ذكر فيها أنّ استخدامها يدل على التواضع، ويُبعد النفس عن الغرور، فضلًا عن ثمنها الزهيد مقارنةً بغيرها، وتعطيه الدفأ في الشتاء، والنعومة التي ينعم بها في الصيف، وسهولة حملها ونقلها، وأنّ من استخدمها هم الشيوخ وجلة العلماء، وتدل على التقشف والزهد حتى اتخذها الصوفية شعارًا لهم، بالإضافة إلى كونها لا تحتاج لترقيعٍ أو إصلاحٍ، وغيرها من الأمور.

 رسالة ابن زيدون الهزلية والجدية

رسالةٌ لأحمد بن عبد الله بن زيدون من بني مخزوم، وهي رسالةٌ كتبها على لسان ولادة بنت المستكفي معشوقته، وكان يسخر فيها من ابن عبدوس الذي كان ينافسه بحبيبته ولادة، وقد تأثر في رسالته هذه برسالة الجاحظ المشهورة بالتربيع والتدوير والتي يسخر فيها من معاصرٍ له.

سخر ابن زيدون من ابن عبدوس سخريةً لاذعةً، وكان يكثر فيها من ضرب الأمثال، وتضمين معاني الأبيات الشعرية في رسالته، ولقد ذكر في رسالته عددًا كثيرًا من أعلام التاريخ الذين كانوا يعملون تحت إمرته كملوك الفرس وأشراف العرب، وعددًا من النساء الذين تنافسن فيما بينهن لينلن حبه.

نستنج في النهاية أن النثر في العصر الأندلسي كان متأثرًا بغيره، وظهر العديد من أساليب التعبير في المجالات النثرية مثل: الرواية والمقالة والقصة والسيرة الذاتية وغيرها من الفنون التعبرية.


شارك المقالة: