العقيدة الباطنية:
إذا قبل المرء حقيقة الأحكام التحليلية للمعنى فإنّ مثل هذه الأحكام التي تحلل ما يُعطى في الإدراك ستكون قاطعة، وستكون الأحكام العامة المجردة كلها كذلك افتراضية، كما أنّ الأحكام التركيبية حول الأوقات والأماكن التي تتجاوز الإدراك قاطعة أيضًا على الرغم من أنّها تتطلب استنتاجات تعتمد على العام.
برادلي على استعداد للسماح لأولئك الذين يفتقرون إلى الشجاعة لاتباعه إلى نظرية أكثر باطنية وذلك للبقاء في وجهة نظر أدنى، ومع ذلك يقترح برادلي رحلة إلى منطقة حيث تم اختراق التمييز بين الفرد والعام حيث القاطع والافتراضي، وفي هذا المستوى الأعلى يصبح منطق برادلي صعبًا للغاية وربما صعبًا بشكل مستحيل.
في وجهة النظر السفلية نفصل الأشياء الفردية التي نميزها من خلال الخصائص والعلاقات العامة في أحكام فردية وجماعية، ويبدأ برادلي الانتقال إلى ما هو أعلى (أو أعمق) مع النقطة التي تكون فيها هذه الكائنات الفردية مشروطة بالإعداد الذي تم العثور عليه فيه، وإنّها ليست غير مشروطة ولكن يتم التأكيد عليها بشرط، وما يخضع لشرط ما يمكن تأكيده بشكل قاطع وإذا تم اعتبار الشرط مستوفيا، بحيث يدرك برادلي جيدًا أنّ الشرط والمشروط ليسا نفس الشيء، فالشيء مشروط بحساب الافتراض لكنّه من ناحية أخرى مشروط بحقيقة.
وحجته هي أنّه بالنسبة لأي شيء له حيز في المكان والزمان ولا يمكن أبدًا تلبية الشرط، ولتقديم سلسلة الظروف في المكان والزمان هو تقديم سلسلة يتدلى رابطها الأخير غير مدعوم في الهواء، وهذه حجة مقلقة تُستخدم تقليديًا لإثبات أنّ العالم يجب أن يكون له بداية في الوقت المناسب (ربما أيضًا السبب الأول) أو من قبل كانط لتبرير المثالية المتعالية.
رفض الحكم القاطع الذي يعين محتوى مثاليًا لجزء الواقع الذي تم تخفيفه منه ولم يتبق لبرادلي أكثر من أحكام افتراضية، ولا يمكن أن تكون هذه حتى أحكامنا الافتراضية القياسية التي تتكون من عبارات فئوية، وإنّها مجرد قشور وصفات تربط على سبيل المثال أنّه إذا كان البرق ثم الرعد، ومن المؤكد أنّ الافتراضات التي تربط الصفات هي أيضًا قاطعة بطريقة ما لأنّها تؤكد على أساس اتصال في الواقع.
لكنّنا فقدنا أحكامنا الافتراضية القياسية وبقيت لدينا مجرد قصاصات، والأمر الأكثر إرباكًا هو البديل الذي نعرضه علينا للحصول على حكم فردي من وجهة نظر أعلى، فبدلاً من المعنى بعبارة هنا ذئب، أو هذه الشجرة خضراء، وأنّ الذئب والشجرة الخضراء حقائق حقيقية بحيث يجب أن تؤكد العلاقة العامة بين الذئب والعناصر الموجودة في البيئة وكما الأخضر مع شجرة، حيث يقدم برادلي شرحًا إضافيًا لاستنتاجه غير المرغوب فيه في (Terminal Essay II).
المشكلة الأساسية في الفكر:
حتى لو أصررنا على تمييز أوضح بين الحكم والاستدلال أكثر مما يسمح به برادلي، فهناك فكرة عامة عن حركة فكرية تغطي كلا النشاطين، وقد تكون هناك بعض الحركات الفكرية التي نفضل أن نطلق عليها الأحكام والبعض الآخر نسميه الاستدلالات، ولكنّ هدف برادلي هو اكتشاف ما تشترك فيه جميع الأعمال الفكرية، حيث إنّه يعتقد أنّه يستطيع تحديد المشكلة الأساسية دون تمييز نهائي بين الحكم والاستدلال.
كما أنّ التفكير عملية تصل إلى نتيجة وهذا يعني تجاوز بعض الحالات الأولية، ومع ذلك لا يكفي أن تكون هناك مجرد خلافة للدول والتي تتطلب حركة الفكر التبرير، وحركة الفكر يجب أن ترضي العقل، ففي حالة الاستدلال المقبول يسمّى صالح، وذلك في حالة الحكم المقبول يسمّى صحيح، وفي كلتا الحالتين تكون مشكلة حالة الرضا هي نفسها بشكل أساسي، حيث إنّ الفكر يتطلب الذهاب من تلقاء نفسه مع أساس وسبب والآن للعبور من (A) إلى (B) وإذا بقيت الأرض خارجية يُعتقد أنّه يمر بدون أرضية على الإطلاق.
وقد نفترض أنّه في حالة الاستدلال الاستنتاجي هناك أرضية داخلية ضمن مجال الأفكار على الرغم من أنّ برادلي لن يوافق، ولكن من الواضح أنّه لا يوجد مثل هذا التبرير الداخلي للحركة الاستنتاجية في حالة الاستدلالات غير الاستنتاجية أو التجريبية، ويعتمد نجاح الاستدلالات أو التنبؤات التجريبية على الطريقة التي يكون بها العالم أو سيكون، ويعتمد المستوى العام لنجاحنا على معيشتنا في عالم منظم جيدًا حيث قمنا بتطوير أنظمة موثوقة للحصول على المعلومات.
وبما أنّ الأساس الذي يبرر حركة الفكر هو طبيعة الواقع فلا يمكن وضع هذه الأرضية داخل الفكر بدون هوية الفكر والواقع، ولا شيء أقل من هذا يرضي العقل، وهذا هو التحرك الهيغلي الأساسي لتحديد الفكر والواقع من خلال تحويل الواقع إلى نظام فكري، ولا يعني ذلك أنّ مركزًا محدودًا يمكن أن يصل أبدًا إلى اكتمال غير مشروط لفكره.
وقد نحاول الاقتراب قدر الإمكان وكلما اقتربنا من الانتهاء النهائي زادت الحقيقة التي يحتوي عليها فكرنا، وبينما نقوم بتوسيع نظام تفكيرنا لجعله أكثر شمولاً فإنّه سيصبح أكثر صحة، وطالما أنّه يظل متناغمًا ومتماسكًا، وعلى الرّغم من أنّ هدف الفكر في الديالكتيك قد يكون إكمال ما هو غير مكتمل، ويعتقد برادلي أنّ هناك ما هو أكثر للواقع ممّا يمكن أن يوفره حتى نظام فكري كامل.
برادلي ليس هيغليًا لأنّه ينفي أنّ اكتمال الفكر حتى لو كان ممكنًا سيكون مطابقًا للمطلق، وإنّه يرفض استبدال الواقع ببعض النسيج الطيفي من التجريدات الغامضة وغير المحسوسة أو بشكل غريب فإنّ الباليه المكتشفة من الفئات التي تعوزها الحياة، وعلى الرّغم من أنّ برادلي يتبع كانط في قبول المثالية المتعالية لسلسلة الظواهر وهو الموقف الذي قدم نقطة انطلاق لهيجل إلّا أنّ برادلي يرفض قبول هذا الخلق للعقل باعتباره الواقع الذي نواجهه في التجربة المباشرة.
بالنسبة لبرادلي إنّها الاستمرارية الكاملة للمسلسل الكلي الذي يعتمد بشكل مطلق على إعادة البناء المثالية، ومن خلال هذه الوظيفة حيث هذه الوظيفة وحدها قمنا بربط الماضي في سطر واحد بالحاضر.
الخبرة المباشرة والمطلقة:
ترتبط الخبرة المباشرة بمجموعة من الأفكار: (هذا – لي – الآن – هنا) وما يتم اختباره على الفور يتم الشعور به، ويمكن استخدام الشعور إمّا للكتلة بأكملها في أي وقت أو يمكن تطبيقه مرّة أخرى على بعض العناصر في هذا الكل، وما يختبره المرء على الفور حقيقي بما فيه الكفاية لكن هذا لا يعني أنّ كل شيء حقيقي يجب أنّ يختبره المرء، وبصفتي أقل من الواقع ككل يطلق برادلي على تجربة المرء هذه الفورية مظهر للواقع، وبالنسبة إلى برادلي، “يبدو واضحًا أننا لا نبدأ فقط من هذا “المعطى بل نبقى مستريحين على هذا الأساس طوال الوقت، وهذه كوننا المرتب بأكمله قد نسميه بناءً يعتمد على التجربة الفورية”.
من الواضح أنّ برادلي يحتفظ بالواقعية الظاهراتية في قلب التجريبية التقليدية، وبينما يرفض فكرة أنّ التجربة المباشرة هي مجموعة من الوجود المتميز والتي كانت مسؤولة عن زوالها، فالتجربة بالنسبة لبرادلي هي في الأصل كتلة حسية وشعرية، وهذا مقبول بشكل خاص مع إعادة صياغة المصطلحات الجماعية والمستبعدة بمنطق مبادئ الرياضيات (Principia Mathematica).
وبالنسبة لبرادلي لم يتم تقديم مجموعة من الوجود المتميز ولكنّها تظهر من خلال تحليل الذي نفذه وأجراه الفكر، ولا بد للمرء من تحويل تجربته إلى مجموعة منفصلة من العناصر، فهذا يشبه إلى حد بعيد فكرة كواين القائلة: “إنّنا نواصل تحطيم الواقع بطريقة أو بأخرى إلى عدة كائنات يمكن تحديدها وتمييزها” والعلاقة مدهشة بشكل خاص بمجرد أن ندرك أنّ الموضوعات الخاصة وكذلك الواقع ككل، وقد يمتد إلى ما هو أبعد ممّا يتم تقديمه في التجربة المباشرة.
أمّا المحتويات المثالية، فهي ضرورية لفصل الأشياء داخل الكتلة المحسوسة ولا تحصر هذه الأشياء في عرضها في التجربة المباشرة، وذلك لأنّ المحتويات عالمية فهي تسمح بما قد يسميه ديفيد هيوم استمرار وجود مثل هذه الأشياء الحقيقية بما يتجاوز ظهورها في ذهن المرء.
كما أنّه يجب أن تؤخذ نظرية برادلي على محمل الجد بسبب الوصف التفصيلي الذي تقدمه لعملية يتركها كواين يكتنفها الغموض، وقد يُفهم على أنّه طريقة لإصلاح الخطأ في التجريبية، ومن الصعب التعاطف مع الحجج التي دفعت برادلي إلى التخلي عمّا يسميه (وجهة النظر الدنيا) والتي قد تكون مبنية على خطأ.