قطعت جهيزة قول كل خطيب

اقرأ في هذا المقال


إنّ الثقافة ذات معنىً واسع، إذ إنّها تشمل أسمى صور التعبير المشترك مثل الحكم والأمثال الشعبية وجميع الموروثات، ولا شكّ أنّ الامثال وليدة تفاعل الناس ومتطلبات حياتهم، ليتم تناقل المنجز جيلًا بعد جيل ضمن منظومة الهوية المجتمعيّة، هنا نتلمس عروق الذهب الذي بلورته التجارب حتى انتهى إلينا عبر اللغة بما يلخص قصة عناق طويل مع الحياة.

معنى مثل “قطعت جهيزة كل خطيب” وفيم يضرب؟

أمّا معنى مثل: “قطعت جهيزة قول كلّ خطيب”، أي: قد استُغني عن الخطب، ويُضرب هذا المثل لمن يقطع على النّاس ما هم فيه بأمر مهم يأتي به، أو قد يُطلق على من يأتي بقول أو خبر يضع حدًّا لكل زعم أو دعوة.

قصة وأصل مثل “قطعت جهيزة قول كلّ خطيب”:

أمّا أصل مثل: “قطعت جهيزة قول كلّ خطيب”، فهو أن جماعة قد اجتمعوا ليتشاوروا في الإصلاح بين حيّين من أحياء العرب، إذ قتل أحدُهما من الآخر قتيلًا، وأخذوا يحاولون إقناعهم بأن يقبلوا الدّية، فيقوم الخطيب ذرب اللسان، يخطب معدّدًا مناقب أهل الدّم ومثمنًا مآثرهم، ويدعو إلى تحكيم العقل والتسامح، ثمّ يجلس ليقوم آخر فيأتي بما هو أقوى وأشد تأثيرًا من سابقه، وبينما هم كذلك، فإذا بامرأة تُدعى “جهيزة” جاءت إليهم تسعى؛ لتخبرهم بأنّ القاتل قد ظفر به بعضُ أولياء المقتول وقتلوه، فقالوا عند ذلك: “قطعت جهيزةُ قول كلّ خطيب”، أي أن الخطب البليغة لم تعد تجدي، لأن الغاية منها ذهبت أدراج الرياح، فما يجدي اذا اقتنع أولياء الدّم بها أو سفهوها، مادامت النّفس ذهبت بالنّفس، وقضي الأمر، وسبق السيف العذل.

من هي جهيزة هذا الزمان؟

في زماننا هذا، ما تركت وكالات الأنباء شاردة ولا واردة إلا وأتت بها إليك قبل ان يقوم المرء من مقامه، وبالتفاصيل والتحليل الذي لا يسمح له بأيّ تأويل أو تحويل، فالنبأ الغائب عبر الزمان والمكان، ومن كل فجّ عميق يأتي به من يجرجر أذياله بالصوت والصورة، ومع شهود العيان والنتائج بين عينيه كاملة غير منقوصة، فمن هي جهيزة هذا الزمان؟ ربّما هي الصورة الدامغة القاطعة المانعة المرفقة مع الخبر، أو وكالات الأنباء وقنوات الفضاء، غير أنّ الكذب قد شاع، وشاع دسّ السّمّ في دسم الخبر، وفي تحليله وإحالته حتى بات النّاس يقولون: “كلام جرائد”، بمعنى: أنه مبالغ فيه، عوضًا عن قولهم: “قطعت جهيزة قول كلّ خطيب”.

المصدر: الأمثال والحكم، محمد بن أبي بكر الرازي،2011الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة،حمزة بن حسن الأصفهاني،2000حدائق الحكمة"أقوال مأثورة من مدرسة الحياة"،نبيل أحمد الجزائري،2010


شارك المقالة: