كل يغني على ليلاه

اقرأ في هذا المقال


كل الأمم التي تعيش على هذه الأرض تمتلك موروثها الثقافي الخاص بها، والذي تنفرد به عن غيرها من الشعوب، وذلك الموروث يعبّر بدوره ويصور الكثير من الأحداث والمناسبات، والتي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل، مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر.

فيم يضرب مثل كل يغني على ليلاه؟

مثل “كلّ يغني على ليلاه”، يُضرب حين يشتكي كل شخص همه، وكأن همه هو أكبر أمر في الدنيا، وفي مقولة أخرى: “كل يبكي ليلاه”، وليلى بالطبع لا يُقصد بها امرأة معينة، بل هي أي شيء يهتم به المرء.

قصة مثل “كل يغني على ليلاه”:

القصة التي قيل فيها مثل “كلّ يغني على ليلاه”، هو أن فتاة تُدعى ليلى بنت عامر، قد عاشت في إحدى القبائل العربية، وهي قبيلة بني عامر، وأما الفتاة فهي: “ليلى بنت مهدي بن سعد بن مهدي بن ربيعة ابن الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة”، وكان لها ابن عم يُدعى “قيس بن الملوح”، وقد عاشا في عهد الخليفة الأموي الثاني: “مروان بن الحكم وابنه عبد الملك بن مروان”.

كانت ليلى العامرية وابن عمها قيس بن الملوح، يرعيان الأغنام معًا منذ أن كانا صغارًا فهام بها حبًا، وكان يمشي بين الناس يقول فيها شعرًا حتى أطلق الناس عليه اسم “مجنون ليلى”، وفي رواية أخرى أن مجنون ليلى اسمه مهدي، غير أنه في أحد أبيات الشعر التي نُسبت لليلى العامرية ذكرت اسم قيس حين قالت:
“ألا ليت شعري وَالخطوب كثيرة متى رحل قيس مستقل فراجع”.

كبر العاشقان: “قيس وليلى”، فقام أهل ليلى بمنعها من مقابلة قيس، فكان يقول الشعر وينظمه عن حبه العظيم لليلى وفراقها، حتى أنه وصل درجة أصابه فيها الضعف والهزال ومسّه الجنون، فعُرف بين أهل القبيلة بمجنون ليلى، ومن أشعار قيس في ليلى:
“وخبر تماني أن تيماءَ منزلٌ لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا
فهذي شهور الصيف عنّا قد انقضت فما للنوى ترمي بليلى المراميا”.

في رواية أخرى أن قيسًا لم يكن مجنونًا، بل إنه ادّعى الجنون لئلّا يؤذيه أهلها، ويقول فيها من الشعر ما يحلو له، وقد قال “أيوب بن عباية”: إن فتى من بني أمية أحب امرأة منهم، وكان يقول فيها الشعر وينسبه إلى المجنون وقد انتشر الشعر بين الناس وزادوا عليه، لهذا يبدو أن كل العشاق في بني أمية قد استخدموا اسم ليلى لنظم الشعر في محبوباتهم، وينسبون شعرهم إلى المجنون كي لا يفتضح أمرهم، وقد قال الأصمعي إن الكثيرين من بني عامر قد جنوا بليلى، وقالوا فيها شعرًا، وقد سأل الأصمعي أحد الأعراب من بني عامر عن مجنون ليلى، فقال له الأعرابي: عن أيهم تسأل؟ فقال الأصمعي للأعرابي: عن الذي كان يهيم بليلى، فقال له الأعرابي” لقد كان بيننا جماعة اتهموا بالجنون، وكلهم قالوا الشعر في حب ليلى، فقال الأصمعي أنشدني لبعضهم، فقال الأعرابي شعرًا لمزاحم بن الحارث المجنون يقول فيه:

“ألا أيها القلب الذي لج هائمًا
بليلى وليدًا لم تقطع تمائمه”،
ثم قال: فأنشدني لغيره منهم، فأنشده لمعاذ بن كليب المجنون:
“ألا طالما لاعبت ليلى وقادني
إلى اللهو قلب للحسان تبوع”،
ثم قال: فأنشدني لغير هذين ممن ذكرت، فأنشده لمهدي بن الملوح:
“لو أن لك الدنيا وما عدلت به
سواها وليلى بائن عنك بينها”.

قال الجاحظ إنه لم يجد شعرًا، وكان اسم الشاعر الذي نظمه مجهول، وورد فيه ذكر لاسم ليلى، إلا يسنده الناس إلى المجنون، ومن تلك الأبيات هذان البيتان اللذان نُسبا في بعض كتب التراث إلى مجنون ليلى، غير أنه بعد بحث المحققين والدارسين، اكتشفوا أن البيتين للشاعر جميل بثينة:
“وما زلتم يا بثين حتى لو انني
من الشوق استبكي الحمام بكى ليا
اذا خدرت رجلى وقيل شفاؤها
دعاء حبيب كنت انت دعائيا”.

بسبب أنه أمر بعيد أن يكون كلّ شعراء بني عامر قد أحبوا ليلى العامرية، وشيء مستبعد كذلك أن تكون كل نساء بني عامر اسمهن ليلى، فقد أطلقت العرب مقولة: “إن كلًّا يغني على ليلاه”، أي إن كل واحد فيهم يستخدم اسم ليلى كناية عن شيء آخر موجود في مخيلته.


شارك المقالة: