صاحبة المقولة
العَجْفاء بنت علْقَمة السّعدي؛ من بني سَعد، ومن ربَّاتِ الفصاحةِ والبلاغةِ وضربِ الأمثال. وعلى الرّغمِ من قِلّة الأخبار والرّوايات عنها؛ إلّا أنّها تُعَدُّ فَصيحةٌ جاهلية، وبليغةِ اللِّسان، ويُقال أنَّ والدها علقمَة كان بخيلاً وجباناً.
قصة المقولة
أولُ مَن قال هذه المَقولة، أو هذا المَثَل، هي العَجْفَاء بنت عَلْقَمة السعديّ، وتقول القِصّة: أنّها وثَلاثَ نسوة من قومها خَرَجْنَ فاتَّعَدْنَ( تواعَدنَ) بروضة يَتحدّثنَ فيها، فوافَيْنَ بها ليلاً في قمرٍ زاهر، وليلة طَلْقَة ساكنة، ورَوضة( بستان أو حديقة) مُعْشِبة خَصْبة، فلمّا جَلسْنَ قُلنَ: ما رأينا كاللّيلة ليلة، و لا كهذه الرَّوضة روضة، أطيب ريحاً ولا أنْضَر، ثم أفَضْنَ( بَدأنَ وتَوسَّعنَ) في الحديث؛ فقُلن: أيّ النساء أفضل؟ قَالت إحداهن: الخَرُود( ذات الحَياء) الوَدُود( المُتَودّدة لزوجها) الوَلُود، قَالت الأخرى: خَيْرُهن ذات الغَناء وطِيب الثَّناء، وشِدّة الحَياء، قَالت الثالثة: خيرهن السَّمُوع( التي تسمع لزوجها) الجَمُوع النَّفُوع، غير المَنُوع، قَالت الرابعة: خَيرهنَّ الجامعة لأهلها، الوادعة الرَّافعة( التي ترفع من شأنِ أهلها وأهل بيتها)، لا الواضعة؛ قلن: فأيّ الرجال أفضل؟ قالت إحداهن: خيرهم الحَظِيُّ الرّضِيُّ غير الحَظَّال( الحظَّال: المُقتِر المُحاسب لأهله على ما يُنفقهُ عليهم) ولا التَّبال( الرجل الذي يُضفي على حديثهِ شيئاً من المُتعة والطَّرافة والإهتمام)، قَالت الثانية: خيرهم السَّيدُ الكريم، ذو الحَسب العَمِيم، والمَجد القديم، قَالت الثالثة: خيرهم السَّخِيُّ الوَفيّ الذي لا يُغَيّرُ الحُرّة، ولا يَتَّخذ الضُّرّة، قَالت الرابعة: وأبيكُنَّ إنّ في أبي لنَعْتَكُنَّ كرم الأخلاق، والصدقَ عند التَّلاق، والفَلْجُ( الفَوز والظَّفر بالشَّيء) عند السباق، ويَحمده أهل الرِّفاق، قَالت العَجْفَاء عند ذلك: “كلُّ فتاة بأبيها مُعْجَبة”.
وفي بعض الروايات أن إحداهن قَالت: إن أبي يُكْرِمُ الجار، ويعظم النار، ويَنْحَر العِشَار( صغار الإبل) بعد الحُوار، ويحلُّ الأمور الكِبار، فَقَالت الثانية: إنَّ أبي عظيم الخَطرِ، منيع الوَزَر، عزيز النَّفر، يُحْمَدُ منه الوِرْدُ والصَّدَر، فَقَالت الثالثة: إنَّ أبي صدوقَ اللسان، كثير الأعْوَان، يُرْوي السِّنَان، عند الطِّعان، قَالت الرابعة: إنَّ أبي كريم النِّزال، منيف المقَال، كثير النَّوَال، قليل السؤال، كريم الفَعَال.
ثم تنافَرْنَ إلى كاهنة مَعهنَّ في الحَيّ، فَقُلنَ لها: اسمعي ما قلنا، واحكمي بيننا، واعدلي، ثُمَّ أَعَدْنَ عليها قولَهن، فقالت لهنَّ: كل واحدة منكُنَّ ماردة( المرأة النَّاضجة)، على الإحسان جاهدة، لصَواحِباتهَا حاسدة، ولكن اسْمَعنَ قولي: خيرُ النساء المُبقية على بَعلها( زوجها)، الصَّابرة على الضَّرّاء، مخافة أنْ تَرجع إلى أهلها مُطلَّقة، فهي تُؤثر حَظَّ زوجها على حظِّ نفسها، فتلك الكريمة الكاملة، وخير الرجال الجَواد البَطَل، القليل الفَشَل، إذا سأله الرجل ألفاه، قليل العِلَل، كثير النَّفَل، ثمَّ قَالت: كل واحدةٍ منكنَّ بأبيها مُعْجَبة.
ويُضرَبُ هذا المثل في عُجْب الإنسان بِرَهطهِ وعشيرته.