لكل جواد كبوة

اقرأ في هذا المقال


يوجد هناك عددًا لا بأس به من الأمثال العربية التي تحتوي على أسماء الخيل العربية، كهذا المثلنا “لكل جواد كبوة”، والذي يعني أن الحصان القوي الصلب، الذي يمتلئ حيوية ونشاطًا، قد يتعثر في عدوه فيسقط على الأرض لسبب ما، وكما يُضرب المثل للرجل الصالح يسقط السقطة، ويقال: لكل حسام نبوة، ولكل جواد كبوة، ولكل حليم هفوة، ولكل كريم صبوة.

قصة مثل لكل جواد كبوة:

لقد أُشتهر أن أول من قال: لكل جواد كبوة؛ “ابن القِرِيَّة”، وابن القِرِيَّة هو أيوب ابن القِرِيَّة وهي والدته، واسم والده هو يزيد بن قيس، وابن القِرِيَّة أعرابي أمّي، فصيح اللسان مفوّه، وقد كان بارعًا في الخطابة حتى أصبح يُضرب المثل به؛ فيُقال: أبلغ وأفصح من ابن القِرِّية، وقد اعترف العرب وكبار العلماء له بالتفوق في الفصاحة والخطابة، لعل أشهرهم الأصمعي.
لقد كانت لابن القِرِيَّة درر عن الخيل العربية، إذ أنه قد وصف في يوم فرسًا، فقال: “حسن القدّ، أسيل الخد، يسبق الطرف، ويستغرق الوصف”، أي أنها تضمّ جميع الأوصاف الحسنة، ويُقال أيضًا:” لكلّ جواد كبوة، ولكلّ صارم نبوة، ولكلّ حليم هفوة، ولكلّ كريم صبوة”.

يُضرب المثل: ” لكل جواد كبوة ولكلّ صارم نبوة ولكلّ حليم هفوة ولكلّ كريم صبوة”، في المرء ذي الذكاء وصاحب الهمة والنشاط، وذي الصفات المتميزة في عمله وتعامله مع الآخرين، حين يحدث معه عكس الذي كان يتوقع، وشُبه الرجل هنا بالجواد لأصالته، فهذا ينم عن صلاحه وعلو شأنه وارتفاع درجته ومنزلته.

لقد أسلفنا أن أول من قال هذا المثل هو ابن القرية، وذلك لما دخل على الحجاج بن يوسف الثقفي فأخذ يوبخه ويؤنبه؛ وذلك أنه خرج عليه مع ابن الأشعث، غير أن ابن القرية أقنعه بأنه لما خصّه بالحمد والثناء، شد بالوثاق وضيق عليه الخناق، وتلألأت فوقه السيوف، فعذره الأمير وأرسله إلى هند ليطلّقها في كلمتين اثنتين، فذهب إليها وقال لها: إن الأمير يقول لك كنت فبنت فقالت: والله ما فرحنا به إذ كان، ولا حزنًا عليه إذ بان.

بعد ذلك انصرف ابن القرية إلى الحجاج بن يوسف، فطلب إليه خطبة يخطبها في الناس، ولما انتهى الحجاج من خطبته، قال له: كيف رأيتني؟ فأجاب ابن القرية قائلًا: لقد رأيتك أيها الأمير خطيبًا مصعقًا، فقال له الحجاج: فلتخبرني كيف ذلك؟ فقال ابن القرية: لقد رأيت الأمير يشير باليد، ويكثر بالرد، ويستعين بأما بعد، واستكمل ابن القرية حديثه قائلًا: إن رأيت أن تأذن لي بكلمات أتكلم بهن يكنّ بعدي مثلًا، فقال الحجاج: هاتهن، قال: أيها الأمير، لكل جواد كبوة، ولكل شجاع نبوة، ولكل كريم هفوة، ثم أنشأ يقول:

أقلني أقلني لا عدمتك عثرتي فكل جواد لا محالة يعثر
لعمري لقد حذرتني ونعيتني وبصرتني لو أنني كنت أبصر
ليالي سهامي في اليدين صحيحة ألا كل سهم مرةً يتكسر
وأحسن ما يأتي امرؤ من فعاله تجاوزه عن مذنب حين يقدر.

لهذا المثل قصة قديمة تُحكى، وهي في الواقع تُوضح وتبرز معنى المثل ومغزاه، فقد حصل أن وقع حصان يمتلكه مزارع في بئر ماء جاف، أما المزارع فقد حاول جاهدًا أن يخرجه ولكن من دون فائدة تُرجى، إذ أن ساق الحصان قد كُسرت، وما عاد يقوى على الخروج، حينها قال المزارع في نفسه: الحصان كبير في السن، وسيكلفني إخراجه من البئر من المال ما يعادل ثمن شراء حصان جديد، وهنا قرر المزارع أن يضرب عصفورين بحجر واحد، أولهما بردم البئر الجافة، والتخلص من مشكلة الحصان الذي أُصيب بدفنه في البئر، فقام المزارع بطلب العون من بعض أصدقائه المزارعين، وبالفعل أتوا بمعاولهم وفؤوسهم، وأخذوا يردمون البئر، ففطن الحصان لما يحدث وأخذ يصهل طالبًا النجدة.

بعد فترة قليلة توقف الحصان عن الصهيل، فنظر المزارع ومن معه ليجدوا أن الحصان منشغل بنفض التراب عن ظهره وإسقاطه على الأرض، وكان كلما فعل ذلك ازداد ارتفاعًا فوق التراب، وظل الحصان هكذا يقترب من الحافة خطوة بخطوة حتى تمكن بذكائه من الخروج، وتعجب المزارع ومن معه كثيرًا من فعلة الحصان الذي استطاع أن يتغلب على كبوته ويخرج منها، ومن هنا جاء المثل: ” لكلّ جواد كبوة “، وقد روي هذا المعنى عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: “لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة”.

المصدر: الأمثال والحكم، محمد بن أبي بكر الرازي،2011الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة،حمزة بن حسن الأصفهاني،2000أمثال وحكم،محمد ايت ايشو،2009خزاتة الخيال في الآداب والحكم والمواعظ والمناظرات والتراجم والأمثال،كاتب غير محدد،2014،حدائق الحكمة"أقوال مأثورة من مدرسة الحياة"،نبيل أحمد الجزائري،2010


شارك المقالة: