كما نعلم بأن الترجمة كانت ولا زالت الأداة الرئيسية لنشوء الحوار المتبادل بين الحضارات؛ ومن ضمن أهم الحضارات البارزة والتي كان لها دور كبير وأساسي في الترجمة هي حضارة الفرس، ومهما بحث القارئ في كتب التاريخ التي تتحدّث عن الحضارات القديمة، فلن يجد أعظم من حضارة الفرس، سنتحدّث عزيزي القارئ في هذا المقال عن دور الفرس في الترجمة وحوار الحضارات.
دور الفرس في الترجمة وصنع الحضارات
كما ذكرنا سابقاً فإن حضارة الفرس هي من الحضارات العظيمة، وإنّ من أكثر ما كانت هذه الحضارة تهتم به هو اللغة العربية، التي هي لغة القرآن الكريم؛ حيث كانت تقوم بترجمة الكثير من العلوم والآداب المختلفة إلى العربية، وكان يسمى هذا الفعل في وقتها (التعريب)، خاصّةً في العصر العباسي اهتم الفرس كثيراً بتلك اللغة من خلال أعمالهم المترجمة، التي كانت من منقولة من لغات مختلفة إلى العربية.
وعلى الرغم من كثرة الاهتمام باللغة العربية من قبل الفرس، إلّا أن ذلك لم يكن يؤثّر على لغتهم الأصلية، بل على العكس تماماً؛ فقد كانت اللغة العربية وقتها وكأنّها شيء يسند الفارسية ويزيد شيء إلى قيمته، من خلال نقلة العلوم، ولهذا السبب أصبحت اللغة العربية لكثرة انتشارها اللغة الثانية المعتمدة لدى الفرس، وأصبح هنالك من يتكلّم الفارسية والعربية معاً.
ومع مرور الوقت صارت اللغة العربية للغة السائدة التي يستخدمها المثقّفين، ولا أحد يستطيع تجاهل المؤلّفات الكثيرة للكتب الفارسية والتي كانت تتم باللغة العربية، والتي كانت تلتزم حتى قواعد النحو والصرف التابعة لها، ومن أشهر المؤلّفات باللغة العربية وقتها هي مؤلّفات (المقفع) ومؤلّفات (الرازي) في علوم الطب.
هذا الأمر شجّع الكثيرين من أصول فارسية وإيرانية وغيرها أن يقوموا بتأليف كتب باللغة العربية، الأمر الذي أدّى لصنع حضارة إسلامية كبيرة كان المساهم الأكبر بها هم الفرس، ولا ننسى الدور الكبير لها في الترجمة، فلولا الترجمة لما كان بالإمكان كتابة مؤلّفاتهم بالعربية.
حتى إن العرب أنفسهم تأثروا بحضارة الفرس؛ حيث نجد الكثير من العرب من تأثّر بأنواع مختلفة من الطعام أو أسلوب العيش وغيرها من الرموز التابعة لثقافة الفرس، وبذلك ساهم الفرس في صنع الحوار الكبير بين حضارته وحضارة الإسلام العظيمة.