إن فن الترجمة هو من أصعب وأهم أنواع الفنون التي استدعت الحاجة له منذ العصور القديمة، وانتشرت الترجمة بشتّى أشكالها وأنواعها حتّى وصلت العالمية؛ فأصبح المترجمون يقومون بترجمة الكتاب الواحد إلى عدّة لغات، وتعتبر اللغة العربية من ضمن أصعب اللغات في الترجمة منها وإليها؛ والسبب في ذلك أن اللغة العربية يميّزها أنّها لغة الضاد، كما أنّها ثريّة بالعبارات والمصطلحات والصور الجمالية التي يصعب أحياناً ترجمتها بشكل مماثل في اللغات الأخرى، سنحكي في هذا المقال عن البعض من تلك الصعوبات.
بعض صعوبات الترجمة إلى العربية
هنالك الكثير من الكتب التي يتم ترجمتها إلى اللغة العربية من قبل مترجمين كبار وأسماء معروفة، وعلى الرغم من الجهود المتواصلة التي يبذلونها في سبيل إنتاج نص مشابه ومماثل في مضمونه وروحه إلى النص الأصلي، إلّا أنّهم واجهوا الكثير من الصعوبات التي تبدأ من اسم المؤلّف أحياناً وبعض العبارات وطرق تركيبها وعدم تناسبها مع ثقافة اللغة العربية.
ومن أكثر الأسماء التي كان المترجمون يواجهون صعوبة في ترجمتها إلى العربية هي اسم (David)؛ حيث كان يتم ترجمته إلى اسم داوود، وكان هنالك ملاحظات كثيرة من النقّاد بشأن سبب التغيير الذي صنعه المترجمون في هذا الاسم، منهم من وصف أنّ هذا قد يكون تصرّف متعمّد بسبب أن أصل هذا الاسم هو يهودي، ومنهم من يرى بأن المترجم غير متعمّد بل هو يهدف إلى تقريب الاسم للغة أهل بلده فقط.
ومن أكثر الصعوبات التي تواجه الترجمة إلى العربية هي استعارة الأسماء، على سبيل المثال الكتاب المترجم إلى العربية والذي يحمل العوان (the secret cybren war)، والذي تم ترجمة عنوانه إلى العربية باسم (الحرب السرية السيبرانية)، فكلمة (سيبرانية) تعتبر استعارة من العنوان لأنّها كلمة إنجليزية وليست عربية، وهنا تعتبر إضافة حرف الياء بعد حرف السين تعديل من المترجم يجب الوقوف عنده؛ حيث كان من الأفضل كتابتها كما هي، ووضعها بعض النقّاد تحت مسمّى إدخال أحرف العلّة بدلاً من وضع الحركات، وأطلق عليها البعض مسمّى (الكسل الفكري)؛ حيث أن المترجم لو بحث عن المعنى للكلمة لوجد أنّ معناها هو (نظام التحكّم)، ولكن شاع استعارة الأسماء باللغة الإنجليزية لدى المترجمبن.
ومن ضمن الأمثلة على الصعوبات في الترجمة إلى العربية هي ترجمة العناوين مثل ترجمة الكتاب بعنوان (war games)، حيث ترجمها البعض إلى (لعبة الحرب) وتعتبر الترجمة برأي النقّاد صحيحة على اعتبار أنّها ترجمة حرفيّة، ولكنّها لا تعتبر صحيحة إن تم النظر إليها كترجمة خطاب صحيحة موجهة للقارئ؛ والسبب في ذلك هو أنّ اللغة الإنجليزية تستخدم لغة الخطاب الرسمية في الكتب التي تتحدّث عن الحروب؛ لذلك اعتبرها البعض خيانة للفظ.
ومن الأمثلة على الاستيراد السهل قيام بعض المترجمين بترجمة أسماء المنظّمات الأجنبية بطريقة سهلة، مثلاً اسم المنظمة الأجنبي (North American Aerospace Defence Command)، وتم ترجمته إلى الأحرف (ق د ف ج أ ش)، وتعتبر هذه الترجمة غير متماثلة تماماً مع الترجمة الصحيحة لاسم المنظّمة، ولكن هذا الأمر شاع كثيراً في الصحف والأخبار وغيرها، وعلى سبيل المثال (حلف الناتو، وكالة ناسا)، وغيرها الكثير من الاختصارات لأسماء المنظّمات الأجنبية، وهذا يعتبر برأي النقّاد تسرّع في الحكم وخيانة كبيرة للفظ كذلك.
ومن الأمثلة كذلك على الاستيراد ترجمة الكتاب بعنوان (From the closed world to the infinite universe) إلى العنوان (العالم المغلق إلى الكون اللامتناهي)، فاستخدام كلمة لا قبل كلمة متناهي تعتبر خيانة كبيرة جدّاً للنص، وهي تعتبر بدلاً من كلمة (non) أو (un)، ويكمن الخطأ الفادح هنا برأي بعض النقّاد أنّ كلمة (لا) بالعربية تستخدم للنفي أو النهي وهي تعتبر كلمة مستقلّة بذاتها، أمّا استخدامها مع الكلمات باللغة الإنجليزية فهي تعتبر مقترنة بالكلمة وتعطي المعنى المعاكس تماماً.
وهنالك أيضاً مشكلة كبيرة تواجهها اللغة العربية بترجمة حرف (g) بالإنجليزية، والذي ينطق بشكلين إما ينطق كحرف الجيم أو بلفظ بالإنجليزية وهو الجيم المشدّدةـ تكمن الصعوبة عند وجوده بالأسماء؛ فعلى سبيل المثال (google) تعتبر من الخلافات الكبيرة في كيفية ترجمتها؛ فمنهم من يرى أن الأفضل ترجمتها باسم (جوجل) ومنهم من يرى الأفضل ترجمتها باسم (قوقل)؛ والسبب في هذه الاختلافات هو اختلاف اللهجات في اللغة العربية ذاتها، مثل اللهجة المصرية أو اللبنانية أو الأردنية أو غيرها.