أبدع القدماء في الأمثال في كافة المواقف المختلفة، فلا يخلو موقف من الحياة العامة إلا وضربت به الأمثال، فهي أصدق ما يمكن التحدث به عن أخلاق الشعوب وعقليتها وتفكيرها وعاداتها وتقاليدها، إذ يمثل تصوير حياة المجتمعات بإبداع، فيعكس حياتهم الاجتماعية والدينية والسياسية واللغوية والعقلية، فالمثل يفوق الشعر بالدلالة؛ لأنه لغة فئة ممتازة، أما الشعر فهو لغة جميع الفئات.
مضمون مثل “مثل بلد العميان”:
المعنى الحرفي لهذا المثل هو: بلد العميان هو البلد الذي يمتلك عينٍ واحدةٍ وهي عين الملك فقط، ويعتبر هذا المثل إحدى أشهر الأمثال الإنجليزية المتداولة في كثير من المواقف، ويعني أن يكون الشخص الذي يمتلك القليل من المواهب متفوق عمن حوله ولا يعود ذلك للمواهب والمهارة التي يمتلكها، وإنما يعود إلى جميع من هم حوله فاشلين وكأنه لديه عين واحدة، فيكون ملك على تلك البلد والناس الموجودين فيها لأن جميع سكانها عميان.
أصل مثل “مثل بلد العميان”:
ذكر هذا المثل لأول مرة في التاريخ في قاموس إيراموس للأقوال المأثورة سنة 1466م، في حقيقة الأمر لا يعرف من قال هذا المثل، لكن مؤلف القاموس الكاتب الإنجليزي المشهور “هجي ويلز” كتب قصة قصيرة للمثل اقتبسها منه تدعى “وادي العميان” نُشرت سنة 1904م، فنظر فيها من مختلف النواحي فرى أنه الذي يمتلك عيناً واحدة لن يقوى على العيش والتكيف مع الحياة في بلد جميعها عميان، وأن العميان لن يقبلوا أن يكون من يمتلك عيناً واحدة ملكاً عليهم.
قصة مثل “مثل بلد العميان”:
كان هناك مجموعة من الأشخاص الذين يتسلقون الجبال، حاولوا في إحدى المرات تسلق جبل لكنهم لم يقدروا على تسلقه وفشلوا فماتوا جميعهم، باستثناء شخص واحد بقي يتدحرج بين الجبال إلا أن وجد نفسه في وادي جميع سكانه عميان، حيث كان سكان هذا الوادي فروا من التنمر والاضطهاد واتخذوا هذا الوادي المنعزل مكانا يستقرون فيه، أصابهم حينها داء جعل جميع من يولدون يكونون مصابون بالعمى، ومع مرور الوقت أصبح جميع من يسكنون الوادي عميان، فبدأ يفكرون بكيفية التأقلم مع العالم بطريقة خاطئة؛ لأنه لا يوجد أي شخص منهم يبصر، فردد ذلك الشخص مقولة “في وادي العميان يصبح ذو العين الواحدة ملكاً”.
فقام ذو العين الواحدة بالعمل لدى أحد العميان، وأخذ يوصف لهم شكل الجبال والسماء وكل الأشياء التي توجد حولهن خصوصاً لابنة الشخص الذي يعمل عنده، كما رفض العميان شرحه لجميع ما يدور حولهم؛ لأن ذلك يسبب لهم التهيج، فأرادوا أن يقوموا بنزع عينه كي يتخلصوا من شرحه، فوافق الشخص لأنه كان يريد الزواج من ابنة الشخص الذي يعمل عنده، وعندما هيأوه العميان للتخلص من عينه، هرب بين الجبال للعثور على أحد الممرات ليعود للعالم الخارجي.