وما الأمثال الشعبية إلا ثمار للروافد الثقافية، ولعلها خير ما يعبر عن الإرث الشعبي لأي مجتمع من المجتمعات، كما إنها تصور وعي المجتمع في نظرته للحلال والحرام، واحترام القيم، وتمثل أيضًا أهم دلالات الحكمة والخبرة، وتمثل الأمثال الشعبية في الوطن العربي مركزًا قويا تنطلق منه منظومة القيم والحكم العربية الموروثة من خلاصة تجارب الأجيال السابقة، والتي اعتادت على توارث خلاصة تجاربها وعاداتها في صورة أمثال وحكم؛ لتستفيد منها الأجيال الجديدة، ولعل طغيان اللون الفكاهي على الأمثال الشعبية العربية أحد أهم مميزات الثقافة العربية التي تعبر عن الحالة المزاجية للشعوب العربية عبر العصور.
فيم يضرب مثل: “احنا دافنينه سوا”؟
مثل: “احنا دافنينه سوا” أحد أهم الأمثال الشعبية العربية المتوارثة منذ عصور، ويُضرب مثل: “إحنا دافنينه سوا”، في التعبير عن أن بواطن الأمور قد لا تبدو مثل ظواهرها، وأن المكر لا يجدى بين أشخاص يعرفون تفاصيل بعضهم جيدًا، إلا أن الكثيرين لا يعرفون أصل وقصّة هذا المثل.
قصة مثل: “احنا دافنينه سوا”:
يرجع أصل قصة مثل: “احنا دافنينه سوا”، إلى أن اثنين كان عندهما حمـار يتكلان عليه في قضاء حاجاتهما، وتسهيل أمورهما المعيشية، وفي تحميل البضائع، ونقلها من قرية إلى أخرى، وكانا يحبانه حتى صار كأخٍ لهما، يأكلان معه وينام بجانبهما، كما أنهما أعطياه اسمًا للتحبب هو “أبو الصبر”، وفي أحد الأيام وأثناء سفرهما في الصحراء، سقط الحمـار ونفق، وحزن الأخوين؛ فيحزن على المسكينين، ويسألهما عن المرحوم فيجيبانه بأنه المرحوم “أبو الصّر”، إنه كان الخير والبركة ويقضي الحوائج ويرفع الأثقال ويوصل البعيد، فكان الناس يحسبون أنهما يتكلمان عن شيخ جليل، أو عبد صالح فيشاركونهما البكاء.
مع مرور الأيام صار بعض الناس يتبرعون بالمال لهما، ثم إنهما وضعا خيمة على القبر وزادت التبرعات، فقرر الأخوان بناء حجرة مكان الخيمة، والناس يزورون الموقع، ويقرؤون الفاتحة على روح العبد الصالح الشيخ الجليل أبو الصبر، وصار الموقع مزارًا يقصده الناس من مختلف الأماكن، وصار لمزار أبو الصبر كرامات ومعجزات يتحدث عنها الجميع، فيأتي الزوار ويقدمون النذور والتبرعات، طمعًا في أن يفك الولي الصالح عقدتهم ويحل مشاكلهم، واغتنى الأخوان وصارا يجمعان الأموال التي تبرع بها الناس السذج ويتقاسمانها بينهما، وفي يوم اختلف الأخويان على تقسيم المال، فغضب أحدهما وارتجف وقال: “والله لأطلبن من الشيخ الصالح أبو الصبر، وهو يشير إلى القبر، أن ينتقم منك ويريك غضبه ويسترجع حقّي فضحك أخوه، وقال: أي شيخ صالح يا أخي؟ كأنك نسيت؟ “دا احنا دافنينه سوا”.