مختارات شعرية من الشعر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


تميّزت الأندلس بتطور وازدهار الشعر فيها، وذلك نتيجة عوامل توافرت في الأندلس، منها ما هو سياسي، مثل دخول أعراق وأصول متعددة إلى أرض الأندلس، وكذلك منها ما هو عامل اجتماعي مثل كثرة مجالس اللهو والمجون نتيجة الثراء الفاحش في الأندلس، وكذلك لن ننسى دور البيئة الأندلسية التي كان لها الدور الأكبر بتطور الشعر وازدهاره، نتيجة التضاريس الطبيعية الخلابة في الأندلس، وظهر في الأندلس أبرع الشعراء الذين قاموا بنظم الشعر في كافة أغراضه وفيما يلي مختارات شعرية من شعر شعراء الأندلس.

شعر إذا لم تجد إلا الأسى لك صاحبا لابن شهيد

وهو الشاعر أبو عامر أحمد بن أبي مروان عبد الملك بن مروان القرطبي، وعُرِف عنه أنه وزير وأديب وشاعر مشهور في الأندلس ولد في أسرة مرموقة في الدولة الأموية، فلقد كان جَدّه عيسى بن شهيد، حاجبًا عند الأمير عبد الرحمن بن حكم، وكما عرف عن جده أحمد بن عبد الملك أنه من أبرز قادة ووزراء الناصر لدين الله فعاش في حياة الترف والنعيم، ولقد تميز في الأدب واللغة والشعر، ومن قصائده قصيدة إذا لم تجد إلا الأسى لك صاحبًا وقال فيها ما يلي:

إذا لم تجد إلا الأسى لك صاحبا

فلا تمنعن الدمع ينهل ساكبا

هوت بأبى العباس شمس من التقى

وأمسى شهاب الحق في الغرب غاربا

ظننا الذي نادى محقا بموته

لعظم الذي أنجى من الرزء كاذبا

وخلنا الصباح الطلق ليلا وإنما

هبطنا خداريا من الحزن كاربا

ثكلنا الدجى لما استقل وإننا

فقدناك يا خير البرية ناعبا

وما ذهبت إذ حل في القبر نفسه

ولكنما الإسلام أدبر ذاهبا

ولما أبى إلا التحمل رائحا

منحناه أعناق الكرام ركائبا

يسير به النعش الأغر وحوله

أباعد راحوا للمصاب أقاربا

عليه حفيف للملائك اقبلت

تصافح شيخا ذاكر الله تائبا

تخال لفيف الناس حول ضريحه

خليط قطا وافى الشريعة هاربا

فمن ذا لفصل القول يسطع نوره

إذا نحن ناوينا الألد المناويا

ومن ذا ربيع المسلمين يقوتهم

إذا الناس شاموها بروقا كواذبا

فيا لهف قلبي آه ذابت حشاشتي

مضى شيخنا الدفاع عنا النوائبا

ومات الذي غاب السرور لموته

فليس وإن طال السرى منه آيبا

وكان عظيما يطرق الجمع عنده

ويعنو له رب الكتيبة هائبا

وذا مقول عضب الغرارين صارم

يروح به عن حومة الدين ضاربا

أبا حاتم صبر الأديب فإنني

رأيت جميل الصبر أحلى عواقبا

وما زلت فينا ترهب الدهر سطوة

وصعبا به نعيي الخطوب المصاعبا

سأستعتب الأيام فيك لعلها

لصحة ذاك الجسم تطلب طالبا

شعر كفاني شكوى أن أرى المجد شاكيا لابن خفاجة

وقد نظمها الشاعر ابن خفاجة وهو إبراهيم بن أبي الفتح بن خفاجة الهواري، المعروف بابي إسحاق ولد في شرق الأندلس في مدينة شقر، قضى حياته فيها عاش في أبرز العصور التي تطور فيها الأدب والشعر بشكل كبير، أي أنه عاصر عصر المرابطين في الأندلس، وكان متعلق بالشعر والنثر بشكل كبير، ويعتبر ابن خفاجة من ابرز شعراء العصر الأندلسي، ومن ابرز قصائده قصيدة كفاني شكوى أن أرى المجدَ شاكياً وقال فيها:

كفاني شكوى أن أرى المجدَ شاكيا

وحَسبُ الرّزايا أن تَرانيَ باكيَا

أُداري فُؤَاداً، يَصدَعُ الصّدرَ زَفرَة ً

ورَجعَ أنِينٍ، يَحلُبُ الدّمعَ ساجِيَا

وكيفَ أورى من أارٍ وجدتني

لهُ صادراً عن منهلِ الماءِ صاديا

وها أنا تلقاني الليالي بملئها

خطوباً وألقى بالعويلِ اللياليا

وتطوي على وخزِ الأشافي جوانحي

تَوالي رَزايا لا تَرى الدّمعَ شافِيَا

ضَمانٌ علَيها أن تَرَى القلبَ خافِقاً،

طوالَ اللّيالي أو ترى الطرفَ داميا

وأنّ صفاءَ الودّ والعهدُ بيننا

ليَكرَهُ لي أن أشرَبَ الماءَ صافِيَا

وكم قد لحَتني العاذِلاتُ جَهالَة ً،

ويَأبَى المُعَنّى أنْ يُطيعَ اللّواحيَا

فقُلتُ لها: إنّ البُكاءَ لَراحَة ٌ،

بهِ يشتفي من ظنّ أن لا تلاقيا

ألا إنّ دهراً قد تقاضى شبيبتي

وصَحبي لدَهرٌ قد تَقَاضَى المَرازِيَا

وقد كنتُ أُهدي المَدحَ، والدّارُ غربة ٌ،

فكيفَ بإهدائي إليهِ المراثيا

أأحبابنَا بالعَدوَتَينِ صَمَمتُمُ،

بحُكمِ اللّيالي أن تُجِيبُوا المُنادِيَا

فقيّدتُ من شَكوى ، وأطلقتُ عَبرَتي،

كو خفّضتُ من صوتي هنالك شاكيا

وأكبرتُ خَطباً أن أرَى الصّبرَ بالياً،

وراءَ ظلامِ اللّيلِ والنجمَ ثاويا

وإن عُطّلَ النّادي بهِ من حِلاكُمُ،

و كانَ على عهدِ التفاوضِ حاليا

وما كان أحلى مُقتَضى ذلكَ الجَنى ،

و أحسنَ هاتيكَ المرامي مراميا

وأندى محياً ذلكً العصرِ مطلعاً

وأكرَمَ نادي ذلك الصّحبِ نادِيَا

زَمانٌ تَوَلّى بالمَحاسِنِ عاطِرٌ،

تكادُ لياليهِ تسيلث غواليا

تقضى وألقى بينَ جنبيّ لوعة ً

أُبَاكي بها، أُخرى اللّيالي، البواكِيَا

كأنّيَ لم أنس إلى اللّهو ليلة ً

ولم أتَصَفّحْ صَفحَة َ الدّهرِ راضِيَا

ولم أتَلَقّ الرّيحَ تَندَى على الحَشَى ،

شذاءً ولم أطربْ إلى الطيرِ شاديا

وكانَتْ تَحايانا، على القُربِ والنّوى،

تطيبُ على مرّ اللّيالي تعاطيا

فهَلْ من لِقاءٍ مُعرِضٍ، أو تَحِيّة ٍ

معَ الرّكبِ يغشى أو مع الطيفِ ساريا

فها أنا والرزاءُ تقرعُ مروة ً

بصدري وقلباً بينَ جنبيّ حانيا

أحِنّ، إذا ما عَسعَسَ اللّيلُ، حنّةً

تُذيبُ الحَوايا أو تَفُضّ التّراقِيَا

وأُرخِصُ أعلاقَ الدّموعِ صَبابة ً،

وعهدي بأعلاقِ الدموعِ غواليا

فما بنتُ أيكٍ بالعراءِ مرنّة ٌ

تنادي هديلاً قد أضلتهُ نائبا

وتندبُ عهداً قد تقضّى برامة ٍ

ووَكراً بأكنافِ المُشَقَّرِ خالِيَا

بأخفقَ أحشاءً وأنبا حشيّة ً

و أضرمَ أنفاساً وأندى مآقيا

فهل قائلٌ عنّي لوادٍ بذي الغضا

تأرّجْ معَ الأمساءِ حُيّيتَ وادِيَا

وعَلّلْ بِرَيّا الرَّنْدِ نَفساً عَليلَة ً،

معَ الصّبحِ يَندى ، أو معَ اللّيل هادِيَا

فكم شاقني من منظرٍ فيكَ رائقٍ

هَزَزتُ له من مِعطَفِ السّكرِ صاحيَا

وضاحكني ثغرُ الأقاحِ ومبسمٌ

فلَمْ أدرِ أيّ بانَ ثمّ أقاحِيَا

ودونَ حِلى تلكَ الشّبيبَة ِ شَيبَة ٌ،

جَلَبتُ بها غَمّاً ولم أكُ خالِيَا

وإنّ أجَدّ الوَجدِ وجدٌ بأشمَطٍ،

تلددَ يستقري الرسومَ الخواليا

وتَهفُو صَبا نَجدٍ بهِ طِيبَ نَفحَة ٍ،

فيلقى صبا نجدٍ بما كانَ لاقيا

فَقُلْ للّيالي الخِيفِ: هل من مُعَرِّجٍ

علينا ولو طيفاً سقيتَ لياليا

ورَدّدْ بهاتِيكَ الأباطِحِ والرّبَى

تَحيّة َ صَبٍّ لَيسَ يَرجو التّلاقيَا

فما أستَسيغُ الماءَ، يَعذُبُ، ظامئاً،

ولا أستَطيبُ الظّلّ، يَبرُدُ، ضاحيَا

وفي النهاية نستنتج أن الشعر الأندلسي ازدهر وتميز في هذا العصر نتيجة عوامل سياسية واجتماعية وطبيعية، وظهر فيها العديد من الشعراء الذين برعوا في نظم الشعر وتوظيفه بحسب الغرض المراد، وكان تأثر شعراء الأندلس يشعراء المشرق العربي واضح بشكل كبير.


شارك المقالة: