مشاكل فلسفة راسل للعاطفة

اقرأ في هذا المقال


ظهرت نسخة برتراند راسل للعاطفة في نهاية كتاب شهير الدين والعلم في عام 1935، والذي لم يكن هدفه الأساسي مناقشة طبيعة الأحكام الأخلاقية بل لإسقاط الدين باسم العلم. وهذه النسخة للفيلسوف راسل للعاطفة توقعت لغة آير (Ayer) والحقيقة والمنطق في عام 1936، والمعنى العاطفي للمصطلحات الأخلاقية لستيفنسون في عام 1937.

مشكلة الفيلسوف جيتش مع العاطفة في فلسفة راسل:

هناك اعتراض منطقي واسع على العاطفة الذي يصعب على برتراند راسل مواجهته، وقد تم طرح الاعتراض لأول مرة من قبل (William David Ross) عام 1939، ولكن تم إعادة تجديده وصقله بواسطة بيتر توماس جيتش (1960 و 1965)، الذي يعزوها بشكل متواضع إلى جوتلب فريج.

على سبيل المثال لنضع في الاعتبار الحجة الصحيحة الواضحة التالية:

1- من الجيد دائمًا التفكير في الأعمال الفنية الجميلة.

2- إذا كان من الجيد دائمًا التفكير في الأعمال الفنية الجميلة، فمن الجيد التفكير في ديفيد لمايكل أنجلو.

3- إنّه لأمر جيد أن تتأمل ديفيد مايكل أنجلو.

في هذه الحجة ترد الجملة: “من الجيد دائمًا التفكير في الأعمال الفنية الجميلة” مرتين، ففي (1) يحدث من تلقاء نفسه كتأكيد، بينما في (2) يحدث دون التأكيد كجزء من جملة أكبر.

نحن نعلم ما يُفترض أن تعنيه الجملة عند ظهورها لأول مرة، على الرغم من مظهرها الدلالي فهي حقًا في حالة مزاجية اختيارية وتعبر عن رغبة: “هل يرغب الجميع دائمًا في التفكير في الأعمال الفنية الجميلة!” ولكن ماذا عن حدوثه الثاني حيث يظهر على أنّه سابق لشرط؟ هل يعبر عن تلك الرغبة هناك؟ الجواب لا بد من أنّه بالتأكيد لا.

حيث يمكن لشخص ما الاشتراك في الشرط (2) مع رفض الرغبة ذات الصلة، فعلى سبيل المثال من الممكن تخيل شخص ما يفكر مثل الآتي:

أ- ليس من الجيد التفكير في ديفيد لمايكل أنجلو، وذلك ربما لأنّه يثير شهوات جنسية غير صحية لتقييد الأطفال في سن الخامسة عشر.

ب- إذا كان من الجيد دائمًا التفكير في الأعمال الفنية الجميلة، فمن الجيد التفكير في ديفيد لمايكل أنجلو.

جـ- وبالتالي ليس من الجيد دائمًا التفكير في الأعمال الفنية الجميلة.

من الواضح أنّ الشخص الذي يقبل هذه الحجة لا يرغب في أن يرغب الجميع دائمًا في التفكير في الأعمال الفنية الجميلة، ولكنها مع ذلك تؤيد الفرضية (2)، وبالتالي فإنّ الجملة “من الجيد دائمًا التفكير في الأعمال الفنية الجميلة”، ولا يمكن تفسيرها عمومًا على أنّها اختيارية عندما تحدث في سياق مضمّن، أي عندما تحدث كجملة فرعية ضمن جملة أكبر وأكثر تعقيدًا.

هذا بالفعل اعتراض ضار جدًا على نظرية راسل حول كيفية عمل (الجيد)، لأنّه يوضح أنّ النظرية غير مكتملة بشكل جذري، ولا يستطيع راسل أن يفسر سوى فئة محدودة جدًا من الحالات، أي تلك التي تستخدم فيها جمل من النموذج “(X) جيد” من تلقاء نفسها للتأكيد، وليس الحالات العديدة التي تحدث فيها هذه الجمل دون تأكيد كمكونات أكبر جمل.

إنّها إذا جاز التعبير نظرية للذرات الدلالية لا يمكنها تفسير دورها داخل الجزيئات الدلالية، ولكن هناك ما هو أسوأ قادم، حيث لنفترض أنّ راسل أضاف حلقة واحدة أو أكثر إلى نظريته لشرح كيف أنّ “(X) جيد” يمكن أن يكون ذا معنى في السياقات غير المحددة.

ويجب أن تميز النظرية المنقحة بين الاستخدامات المختلفة لكلمة (جيدة)، مع إعطاء حساب واحد للسياقات المؤكدة وحساب مختلف أو مجموعة حسابات للسياقات غير المعتمدة، وبالتالي فإنّ عبارة: “(X) جيد” قد يكون أحيانًا خيارًا مقنعًا وأحيانًا شيء آخر لا تهتم بما لا يهم حقًا الآن، بحيث يتم وضع في الاعتبار المخطط الحجة التالي للعبارة التالية:

1- (X) جيد.

2- إذا كانت (X) جيدة فإنّها تصبح (Q).

3- إذن (Q) جيدة.

في هذه الحجة سيكون لـ “(X) جيد” معنى واحد في المقدمة (1) والذي سيكون اختياريًا، وآخر في المقدمة (2) حيث سيكون مخلوقًا من نوع دلالي آخر، لكن الحجة تكون صحيحة فقط إذا احتفظت الكلمات المتضمنة بنفس المعاني طوال الاستدلال.

إذا لم يكن الأمر كذلك فلدينا مثال على مغالطة المراوغة، ولذلك يبدو أنّ أي محاولة للتعامل مع مشكلة جيتش الأولى من خلال شرح كيفية العمل (الجيد) في سياقات غير مؤكدة سيكون لها أثر جانبي غير مقصود يتمثل في تحويل الحجج الصحيحة بوضوح مثل ما سبق إلى حالات من المراوغة.

إنّ النظرية ليست فقط ناقصة بشكل جذري، وإذا تم استكمالها فإنّها ستقلل من عدد كبير من الحجج الصحيحة الواضحة للبطلان من خلال تفسيرها على أنّها ملتبسة.

ربما تكون هذه هي المشكلة الرئيسية للنظريات غير المعرفية أو التعبيرية للقيمة وقد تم سكب كمية هائلة من الحبر في محاولة لحلها، ويكفي أن نقول إنّ نظرية راسل تواجه حطام السفينة ما لم يتم حل هذه المشكلة، ولذلك فإنّ المشكلة غير قابلة للحل.

فلسفة راسل والالتزام وعدم الاتساق

“أنا متهم بعدم الاتساق، ربما بشكل عادل لأنّه على الرغم من أنني أعتبر التقييمات الأخلاقية النهائية ذاتية، إلّا أنني أسمح لنفسي بآراء مؤكدة بشأن المسائل الأخلاقية”.

هكذا كتب راسل ردًا على النقاد الذين اعتقدوا أنّ عاطفته منعته من أن يكون واعظًا بلا هوادة، بحيث كانوا يعتقدون أنّ هناك نوعًا من التناقض البراغماتي بين الآراء الأخلاقية العنيفة، والتي يتم التعبير عنها كثيرًا بالعاطفة الفوقية الأخلاقية.

يقوم راسل بعمل قصير لهذا، فمن وجهة نظره فإنّ وظيفة كلمتي (جيد) و(سيء) هي التعبير عن أنواع معينة من الرغبات، ونظرًا لأنّه كانت لديه الرغبات ذات الصلة، لم يكن هناك تناقض في استخدامه (جيد) و(سيء) للتعبير عن الرغبات التي صُممت للتعبير عنها، فلا يوجد شيء غير متسق حول استخدام قطعة من الآلات اللفظية للقيام بما تعتقد أنّه مصمم للقيام به.

“أنا في حيرة من أمري لأفهم لماذا يجب أن يفاجأ أي شخص بتعبيري عن أحكام أخلاقية صارمة، ومن خلال نظريتي الخاصة فإنني بذلك أعبر عن رغبات قوية فيما يتعلق برغبات البشرية، حيث أشعر بمثل هذه الرغبات فلماذا لا تعبر عنها؟”

كما أنّه لا يوجد أي تناقض بين عاطفة راسل الفوقية الأخلاقية ونشاطه الأخلاقي والسياسي، للتفكير على سبيل المثال أنّ الحرب النووية ستكون سيئة تعد هي الرغبة في ألّا يرغب الجميع فيها، والرغبة التي يُفترض أنّها تنبع من رغبة من الدرجة الأولى في عدم وجود شيء من هذا القبيل.

لذلك في محاولته لتجنب حرب نووية، كان راسل يتصرف بناءً على رغبة كانت له أولوية قصوى بالنسبة له، والذي يبدو وكأنّه شيء عقلاني بشكل بارز للقيام به.


شارك المقالة: