اقرأ في هذا المقال
يعرف الشعر الأندلسي بأنه الفن الذي نتج عن الحضارة الأندلسية، ويتميز بمجموعة من الخصائص، والصور المتنوعة التي تناولها الشعراء في شعرهم وكثرت أغراض الشعر الأندلسي، وساعده على هذا التعدد مجموعة من الأمور المتوفرة في المجتمع الأندلسي، وكذلك كان لطبيعة البيئة الأندلسية الخلابة دور كبير في تنوع الأغراض الشعرية، وسنتعرف في هذا المقال على مفهومه وخصائصه ومميزاته، وبعض شعراء العصر الأندلسي وأهم الأشعار الأندلسية.
مفهوم الشعر الأندلسي
هو ذلك الفن الذي تولّد من الحضارة العربية في الأندلس، وقد انفرد الشعر الأندلسي بمجموعة من الصفات التي استمدها من مكان ولادته، وتأثره في البيئة الأندلسية والأغراض الشعرية التي كانت منتشرة في ذلك العصر.
وقد تمكّن الشعر الأندلسيّ أن يكون بمستوى الفنّ المعاصر للواقع، وقد اتصف بالتواضع وعدم التعقيد والوضوح بشكل كبير، وقد عرف عن الشعر الأندلسي تناوله جمال الطبيعة، والجمال والغزل في كثير من الأوقات، وتمكن الشعر الأندلسي أن يصنع الكثير من الأغراض والصور الجديدة في الشعر العربي سواء من حيث اللفظ أو الصورة أو التركيب.
ولقد كان هناك اعتراض شديد من قبل العلماء على إطلاق الناس مسمى الشعر الأندلسي على الشعر الذي قيل في الأندلس، فالأندلس لا تعد فترة زمنيًّة قد عاشتها الأمّة، وإنّما كانت البداية لعهد الخلافة الأموية، ثمّ واكبت الخلافة العباسيّة في مدينة بغداد، ومع ذلك فقد بقيت تحت راية الأسرة الأموية حتى زمن الطوائف، ويرى العلماء أنّ المفهوم المناسب للشعر الأندلسي هو: الشعر العربي في الأندلس.
تاريخ ظهور الشعر الأندلسي
ظهر الشعر الأندلسي بعد الفتح الإسلامي لشبه جزيرة أيبيريا، وارتبط الشعر الأندلس بالحياة السياسية برباط وثيق، وكان الشعر الأندلسي حديث الولادة في المرحلة التي جاءت بعد الفتح الإسلامي ولم تكن له معالم خاصة به.
وقد كان الأندلسيون في هذه الوقت يلجؤون إلى شعر المشارقة، وقد كان شعراء الأندلس في بداياتهم يحاولون الكتابة بأغراض جديدة في الشعر لكن محاولتهم بائت بالفشل واعتبرت تقليد للشعر المشرقي، ومثال على ذلك محاولات أبو الأجرب جَعْونة بن الصمة، فكان يعتمد على متانة اللفظ وقوة العبارة، وقاموا بإهمال الصورة الفنية والفكرة الرئيسية.
وفي بداية نشوء الفترة السياسية للمرة الثانية وعند قدوم عبد الرحمن الدّاخل إلى منطقة الأندلس وإقامة الدّولة الأموية فيها، أدى ذلك إلى ازدهار الشعر الأندلسي أثناء هذه المدة بشكل متفرد، وكانت بداية الأشعار في هذه المرحلة قول عبد الرحمن الداخل:
أَيُّهَا الرَّاكِبُ الْمُيَمِّمُ أَرْضِي
أَقْرِ مِنْ بَعْضِي السَّلامَ لِبَعْضِي
إِنَّ جِسْمِي كَمَا عَلِمْتَ بِأَرْضٍ
وَفُؤَادِي وَمَالِكِيهِ بِأَرْضِ
قُدِّرَ البَيْنُ بَيْنَنَا فَافْتَرَقْنَا
فَعَسَى بِاجْتِمَاعِنَا اللهُ يَقْضِي
ولقد اشتُهر في هذا العصر الكثير من الشعراء، ومنهم الشاعر عباس بن ناصح الذي كان على دراية كبيرٍة في الأدب العربي واللغة، ولقد تميز بكونه شاعرًا بشكل أكبر منه عالمًا، ولقد ترك عباس من بعده ديوانًا كان مصدر اهتمام شعراء الأندلس برهة من الزمن.
وفي هذه الفترة لم يكن للبيئة الأندلسية أثر واضح ولكن كان الشعر أقرب إلى المسرح الذي يعرض الوقائع الحربية، وبعد الداخل جاء عصر الخلافة، وبهذه الفترة تم نضوج الشعر الأندلسي، وعند سقوط الدولة الأموية وبدأ عهد ملوك الطوائف تطور ونما الشعر الأندلسي نموا واضحا وأصبح هناك للأندلسيّين شعر مكتمل المعالم يُعبّر عن شخصيتهم وأدبهم وثقافتهم.
موضوعات الشعر الأندلسي
تعددت المواضيع التي تناولها الشعر الأندلسي، فربط بين الأغراض التقليدية للشعر من مدح، والغزل، والرثاء، والزهد، وغير ذلك من الأغراض توسعوا في هذه الأغراض كرثاء المدن، والشعر التعليمي، وكان في هذا العصر اهتمام كبير بالغناء مما خلق فنون شعرية جديدة ومن أهمها: الموشحات، والزجل، ومن هذه المواضيع ما يلي:
شعر المدح
يعتبر شعر المدح من أغراض الشعر التقليدية، والتي كتب فيها الأندلسيون الشعر وأكثروا منه، بسبب تواصلهم بملوك وأمراء الأندلس على تنوع المراحل السياسية التي عاشتها الأندلس، ومن أهم الشعراء: ابن هانئ الأندلسي، وابن حمديس الصقلي، وابن درّاج القسطلي، وكان لشعر القدماء أثر واضح في الشعر الأندلسي.
شعر الغزل
يعتبر موضوع الغزل من المواضيع التقليدية التي تناولها الشعر الأندلسي، فتفوق به كثير من الشعراء الأندلسيين، فتحدثوا في شعرهم عن مشاعر الحب كما تحدثوا عن ألَمِ الفراق، وكان للقدماء تأثير واضح في هذا الغرض الشعري من جهة، وكانت له خصوصيته من جهة أخرى؛ لأن الشاعر الأندلسي كان شديد التأثر بالبيئة الأندلسية وكان لهذا دور واضح في الشعر من حيث الألفاظ والبناء، ومن أشهر قصائد الغزل قصيدة ابن زيدون في حب ولادة بنت المستكفي
رثاء المدن
هو من الأغراض التي استفاض في تناولها شعراء الأندلس، فكانوا يرثون المدن والممالك التي تسقط من الأندلس، ويتحسرون على الأندلس وضياعها، ويُعبّرون عن شِدّة ألمهم وحزنهم على هذه المدن والممالك، ويتناولون الأحوال التي رافقت سقوط هذه المدن والإمارات، والوضع الذي وصل إليه العرب، ومن أول مدين التي سقطت مدينة طليطلة، وقد تحدّث الشعراء عن صدمه الكبيرة التي حَلّت بهم بعد سقوطها بقصائد متعددة، ومن الشعراء من رثى الأندلس كاملة، ومن أشهر القصائد: قصيدة لأبي البقاء الرندي.
الشعر التعليمي
هو من الأغراض التي تَعمّق بها الشعراء الأندلسيون، فقد كان الشعر التعليمي معروف ومشهور في العصر العباسي، والغاية من هذا الشعر هو لكي يتم به الاستفادة للتعلم بطريقة سهلة للعلوم، ومحاولة حفظه وتذكره، وكان الشعراء يعتمدون على بحر الرجز، وبعد ذلك تن انتشار الشعر التعليمي في الأندلس، ومن الأمثلة على هذا الشعر: ألفية ابن مالك في النحو، وألفية لسان الدين بن الخطيب في الفقه.
خصائص الشعر الأندلسي
إن الشعر الأندلسي يتمتع بسمات ومميزات متنوعة، وذلك نتيجة تأثره الكبير بالحياة من الناحية السياسية والاجتماعية والحضارية، ومن أهم هذه السمات والمميزات ما يلي:
1- يفضل شعراء الأندلس النمط الذي يعتمد على اللين والطف والشيء السهل، وهذا الكلام لا يعني ضعف الشعر، فلقد قاموا بتوظيف الألفاظ التي توحي بالمعنى عن قرب، وهذا يجعل المتلقي يتعرف على حقيقة المشاعر والأحاسيس بشكل سهل بصورة كبيرة، وفي ذلك قال أحمد ضيف: فقد علمنا أن الأندلسيين تفوقوا في نوع رائع من الخيال ونعومة الأسلوب وقوة اللفظ، والأوصاف التي الهمتهم إليها آثار تلك المدنية الجديدة، ولم يألفها شعراء العرب.
2- التزم الشعراء الأندلسيون بالنمط العربي القوي البناء والرصين، وكان لشعراء المشرق تأثير واضح، ومن ذلك قول المعارضات الشعرية للمتنبي، ولأبي العلاء المعري وغيرهما، ورغم هذا التأثر فلم يمنع من أن يكون لهم خصوصية في شعرهم من حيث اللغة والنمط الخاص.
3- تأرجح الأدب الأندلسي بين التقليد والتجدد، وقد طوّر الشعراء الأندلسيون في الشعر، وبلغ التطور في الشعر ذروته في القرن السادس الهجري، ومن شعراء هذا القرن ابن خفاجة، وابن عبدون وغيرهما.
4- تمكن الشعر الأندلسي من التحرر من قيود القصيدة بشكلها التقليدي، وظهر ذلك واضحًا في الموشحات الأندلسية، وذلك تأثرًا بالطبيعة الأندلسية.
5- تفوق الأندلسيون في شعر الطبيعة وبرعوا فيه، وتناولوا في قصائدهم المفردات التي تتحدث عن جمال البيئة الأندلسية من بساتين وحقول وأزهار وأنهار.
وفي النهاية نستنتج أن الشعر الأندلسي هو فن نتج عن الحضارة الأندلسية، ويتميز بمجموعة من الخصائص، والصور الفنية المتنوعة التي تناولها الشعراء في شعرهم، وتنوعت أغراض الشعر الأندلسي، وساعده على هذا التنوع مجموعة من الأمور المتوفرة في المجتمع الأندلسي.