مفهوم قوة الكلام في علم اللغة الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


نبذة عن قوة الكلام:

هل حقًا تعد الكلمات ذات تأثير على حياتنا؟ لماذا تساعد قدرتنا اللغوية على تعريفنا في نطاق قدراتنا وإمكانياتنا؟ كيف يمكننا استخدام الكلمات وقوتها لصالحنا؟ تحدد الخيارات التي نتخذها بلغتنا معايير حياتنا. كما يمكن لمهارة التعبير التي نمتلكها أن تساهم في العديد من جوانب قدرتنا على النجاح على المستوى الشخصي والمهني. حيث تعد القوة الحقيقية في الكلمات هي معناها وتفسيرها، وهذه هي القوة الحقيقية في الحياة.

يعد تحديد معاني الكلام في حياتنا أحد أهم مسؤوليتنا في اختيار وإيجاد معنى تمكيني، ففهم الكلام هو أحد أهم الأشياء التي يجب علينا فهمها والتي تساعد كثيرًا على تسهيل بعض أمور الحياة.

فإذا أردنا أن يكون كلامنا خالٍ من القوة فهذا هو خيارنا الخاص، ولكن عندما يحدث شيء ما لنا، يمكننا التحكم بوعي في حكمنا على المعنى سواء كان الإيجابي أو السلبي، وهنا تكمن قوة الكلام، فكل كلمة تخرج من الفم يكون لها مقصد معين، فبعض الكلمات تحمل معها طاقة إيجابية والبعض الآخر تحمل معها طاقة سلبية من شأنها أن تعكر مزاجنا ولفترات طويلة. كما أن ردود أفعالنا الأولى تجاه شيء ما لا تكون دائمًا واعية، ولكن بعد ذلك يمكننا التدخل وإعادة صياغة المعنى.

على سبيل المثال، لنفترض أنك فشلت في الاختبار. هل هذا يعني أنك فاشل؟ أو هل يعني هذا أنك تعرف الآن المجالات التي تحتاج إلى العمل عليها من أجل التحسين؟ الأمر متروك لنا لتحديده، وحتى إذا شعرنا بالفشل في البداية، يمكننا التدخل وتحويل ما يعنيه الفشل لنا داخليًا. كما يمكننا أن ننمي تفسيرًا إيجابيًا لجميع الأحداث تقريبًا في حياتنا. حيث يسميها البعض البحث عن الجانب المشرق أو التفاؤل المستمر.

ما علاقة قوة الكلام باللغة:

غالبًا ما يكون للكلمات أكثر من معنى، تمامًا مثل الفشل في الاختبار. ومع ذلك، فإن الكلمات لا تمتلك النطاق الديناميكي والمرونة التي يوفرها تفسيرنا للحياة. وهذا ماشية لاختلاف تعريف القطة عن تعريف الكلب، ولا يمكن للنظارات الوردية والمتساوية تغيير ذلك.

يتواجد لدينا مساحة واسعة لفهم معنى الكلام، وغالبًا ما تبقى الكلمات عالقة بالأذهان أكثر من الأحداث. فكلمة قبيح تعني قبيح، ومن الواضح مهما حاولنا تجميل كلمة قبيح لا يمكننا تحويلها بأي طريقة لتعني جميل. تلعب قوة الكلمات دورًا في الأوقات التي نحدد فيها واقعنا، فالكلمات التي نستخدمها في أذهاننا بشكل متكرر لوصف أنفسنا وهويتنا هي بعض من أقوى القوى التي نمتلكها في حياتنا.

إذا نطقنا باستمرار بلغة استنكار للذات في حوارنا الداخلي، فإننا نسمح لقوة الكلمات بالعمل ضدنا. كما إن إخبار أنفسنا بأننا سمينون أو ضعفاء أو لا قيمة لهم أو أغبياء يمكن أن يستنزفنا من قوتنا لإيجاد المعنى الإيجابي من تجاربنا. فإذا قلنا لأنفسنا أننا أغبياء طوال اليوم، فعندما نفشل في الاختبار، نادرًا ما نتمكن من رؤية المنظور الذي قد يكون له جانب إيجابي. ومن المرجح أن نستخدمها لتأكيد إيماننا بأننا أغبياء. “انظر، لقد فشلت. أنا غبي.”

تأثير قوة الكلام ونبرة الصوت في العواطف:

تتحكم اللغة في العواطف التي نشعر بها والأحداث التي نمر بها وقدرتنا على التفاعل مع البشر الآخرين. فإذا أردنا المزيد من التحكم والمزيد من الفاعلية في حياتنا، يمكننا أن نبدأ بفهم أكبر للقوة الكامنة في ما نقوله لأنفسنا وللآخرين وطريقة استخدام اللغة. تأتي بعض القوة من الكلمات نفسها، ويأتي البعض الآخر من العاطفة والقوة التي نستخدمها بها. فإذا قلنا لشخص ما “أنا أكرهك” بنبرة مرحة وبابتسامة وضحكة فيمكننا التأكد من تلقي رد فعل مختلف عما لو صرخنا به بأعلى صوتنا بنبرة عدوانية.

يتم تصفية كلماتنا أيضًا من قبل أولئك الذين يسمعونها وبناءً على حالتهم النفسية والعاطفية يمكنهم تفسير معانيها بشكل مختلف تمامًا عما قصدناه. وهذا ينطبق بشكل خاص على الرسائل النصية، لقد قرأ الجميع رسالة نصية من شخص ما وفسرها بشكل خاطئ بناءً على تصرفاتهم الحالية عند قراءتها. كما نعلم جميعًا أننا نميل أحيانًا إلى قراءة كلمات رسالة نصية بعمق والبحث عن وحي أو تبرير عاطفي فيها.

فعلى سبيل المثال، نقرأ رائع ولكن يمكن أن تأخذ أي معنى نحبه معها ونبدأ بتشكيل طاقة إيجابية في داخلنا مرتبطة بهذه الكلمة. ولكن قد تعني كلمة رائع أنه ليس رائعًا تمامًا، ومن الممكن أن تعني التوقف عن الحديث معي. فكلمة رائع تحمل العديد من المعاني، تمامًا مثل المعاني التي يحملها الفشل في الاختبار. 

خيبة الأمل وقوة الكلام:

يجب علينا أن نكون حذرين بشأن التعمق في البحث عن معاني الكلمات دون الحصول على الفوائد الإضافية لنبرة السمع ورؤية تعابير الوجه وتفسير لغة الجسد. كما يجب علينا أن نعلم أن قوة الكلمات تعمل في كلا الاتجاهين، وهما القوة في نطقها والقوة في استيعابها. فعندما نتحدث أو نكتب أو نفكر أو نستخدم الكلمات بطريقة معينة، فإننا ننخرط في هذه الكلمات ولكن يجب علينا  أن بننتبه إلى الطريقة التي ننخرط فيها في هذه الكلمات؛ لكي لا نتعرض لخيبة أمل نتيجة المعاني المتعددة التي من الممكن للكلمة أن تحملها.

قوة الكلمات في عالمنا لا يمكن إنكارها، فيمكن أن تضعنا قدرتنا اللغوية على مسار لتحقيق أشياء عظيمة أو أن نظل محبطين ومعرضين لكثير من خيبات الأمل في حياتنا نتيجة لهذه الكلمات. فلحظة بلحظة نتفاعل مع أنفسنا والآخرين باستخدام اللغة.

كما أننا نأخذ ما نعرفه من تربيتنا وما نراه ونسمعه بانتظام في حياتنا  والكلمات من وسائل الإعلام التي نستوعبها وتصبح كيف يمكننا التعبير عن أنفسنا. ولكن تكمن المشكلة في أن معظمنا لا يقوم بدور نشط بما فيه الكفاية في اختيار الكلمات التي نعبر عنها وتنسيق الكلمات الجديدة التي تدخل إلى حياتنا. كما أنه لا ينبغي علينا أن نترك الكلام مبعثر في أذهاننا وأذهان الآخرين.

فنحن نتحدث دون التفكير في القوة الهائلة التي تنبع من حديثنا، كما أننا نسمح لقوة كلمات الآخرين بمهاجمتنا وجلب جميع أنواع الطاقة العاطفية التي تؤثر علينا سواء كانت سلبية أو إيجابية. حيث يؤدي هذا إلى تفريغ شيء قاسٍ في لحظة من التوتر أو استيعاب الكلمات المخيفة نتيجة إخبارنا المستمر بهذه الكلمات، فلا بد أن لها صدى مخيف في مخيلاتنا.

حب الذات وقوة الكلام:

كما أن معظمنا ضحايا لقوة هذه الكلمات، ويشارك معظمنا بشكل سلبي في عمل الحياة دون فهم قوانين اللغة. ولكن الحل هو أن نكون معماريين لغويين نشطين في مجالات التعبير اللفظي والتفسير. حيث يمكننا التركيز على بناء وتوسيع مفرداتنا كأساس لتعبير أكبر عن الذات وحب الذات.

كما أن الأطباء النفسيين دائمًا ما ينصحون المرضى، الذين تعرضوا لخيبات أمل أثرت بشكل كبير على حياتهم، بممارسة عدد من التمارين التي تساعد على حب الذات، كونها أحد أهم الأساليب المتبعة لتخفيف وطأة قوة الكلمات التي من شأنها أن تؤثر وتعكر يومنا. فالاختيار الدقيق للكلمات التي نعبر عنها، وما القوة العاطفية التي نعبر عنها بها يجب أن يكون شيء نعيره الاهتمام اللازم، لكون هذه الكلمات من الممكن أن تؤثر على الآخرين.

النشاط العقلي وقوة الكلام:

يجب أن نكون نشطين في يقظتنا للطريقة التي تؤثر بها كلمات الآخرين علينا، فيمكننا تفسير كلمات الآخرين بشكل خاطئ بناءً على عدساتنا العاطفية. ولكن يمكننا أيضًا أن نتسامح بشكل خاطئ مع كلمات الآخرين التي من الأفضل لنا عدم تعريض أنفسنا لها أو محاولة استيعابها، ولكن لا تتجاهل قوة هذه الكلمات؛ وهذا لأن ستلعب هذه القوة دورًا مهمًا وبشكل دائم في حياتك.

على سبيل المثال، الكثير من الأشخاص لم ينجزوا شيء في حياتهم ولكن نتيجة لكلمة سيئة سمعوها وكان لها تأثير في حياتهم، حاولوا بقدر استطاعتهم لكي يكونوا عناصر فعالة في مجتمعاتهم.

السعادة وقوة الكلام:

تعتمد قدرتنا على إيجاد الحب والفرح كليًا على تكرار تلك الكلمات التي يتم البحث عنها والتعبير عنها وتلقيها وفهمها. كما يجب ألا نتجاهل الفرصة لاكتساب فهم أكبر للكلمات التي نسمعها ونستخدمها كثيرًا. فحاول أن تبحث عن تعريف الكلمات المألوفة لك وتعلم مزيدًا من العمق والتقدير للمعاني التي نادرًا ما نعيد ترديدها في حياتنا اليومية بمجرد معرفتنا لمعناها. وحاول أن تبحث عن الحب والفرح وشاهد كيف يمكن أن يساعدك ذلك في تذكيرك بالفروق الدقيقة في الكلمات التي غالبًا ما ننساها.

فبعض الكلمات لا يمكن تعريفها من قبل الآخرين والتي نكون نحن الوحيدون المحيطون بمعناها، هذا غالبًا ما يمنحنا شعور عارم بالسعادة. فالنجاح والسعادة كلمتان شبيهتان لشعور تذوقك لطعام تحبه كثيرًا أو فوزك في مبارة أو نجاحك في امتحان لم تدرس عليه ولم تتوقع أن تنجح فيه على الإطلاق.

كما يجب علينا أن نسمح بتعريف السعادة والنجاح بوجهة نظر الآخرين أن يسيطر على حياتنا كلها، ولا يجب أن نتنازل عن محاولة فهم معنى السعادة من منظورنا الشخصي والخاص دون التساؤل عما يعنيه النجاح والسعادة بالنسبة لنا، فإننا نقلل من قوة هذه الكلمات وقدرتنا على إظهارها في الواقع إذا حاولنا تجاهلها. فإذا كانت الكلمات تساعد في تشكيل واقعنا وتعريفه، فإن أصل الكلمة هو الفيزياء. كما إن فهم الكلمات التي نستخدمها بانتظام لا يقل أهمية عن فهم القوانين الفيزيائية للطبيعة.


شارك المقالة: