اقرأ في هذا المقال
كلّ الشعوب التي رسمت خطاها على وجه الأرض لديها الموروث الثقافيّ الذي يخصها، وكما إنه يجعلها تتفرد به عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي سنتناوله لاحقًا، هو: “من سلك الجدد أمن العثار”.
فيم يضرب مثل: “من سلك الجدد أمن العثار”؟
المثل لحكيم العرب “أكثم بن صيفي”، وأمّا الجدد، فهي: ما استوى من الأرض،والعثار: يعني السقوط، والمثل فيه استعارة، وهو يُضرب مثلًا لطالب العافية، وفي تفسير آخر مشابه للأول قالوا: إن الجدد المقصود بها الطريق المستقيم الجادّ، وأمّا العثار فهو تعبير يُطلق علي من لا يوفق في حياته، بذلك يكون معنى المثل: إنّ من اتبع الطريق المستقيم، كان بعيدًا عن الهزيمة والتّعثّر، وكان التوفيق والنجاح حليفين له، والبعض قال في تفسيره أنه دعوة للمرء ألّا يمشي في طريق قديم مهجور، فتكثر شكواه من كثرة التّعثر والوقوع.
الموضع الذي ورد فيه مثل “من سلك الجدد أمن العثار”:
ورد مثل “من سلك الجدد، أمن العثار” في كتاب جمهرة الأمثال، لصاحبه أبي الهلال العسكريّ، إذ قال: أخبرنا أبو أحمد عن أبي بكر عن أبي حاتم عن أبي عبيدة، قال: قال أكثم بن صيفي: “يابني تميم، لايفوتنّكم وعظي، إن فاتكم الدهر بنفسي، إن بين حيزومي لبحرًا من الكلم، لا أجد له مواقع غير أسماعكم، ولا مقارّ إلا قلوبكم؛ فتلقوها بأسماع مصغية مقيدة، ولن يعدم المشاور مرشدًا، والمستبد برأيه موقوف على مداحض الزلل، ومن سَمّع سُمِّع به، ومصارع الألباب تحت ظلال الطمع، ولو اعتبرت مواقع المحن ما وجدت إلا في مقاتل الكرام، وعلى الاعتبار طريق الرشاد، “ومن سلك الجدد أمن العثار”، ولن يعدم الحسود أن يشغل سره، أو يزعج قلبه ويثير غيظه لايجاوز ضره نفسه”.