من صفات المُصلح :
من أهم صفات المُصلح، الرحمة والإحسان، وفي قصة سيدنا ( يوسف عليه السلام) ارتباطٌ عجيب بين الإصلاح والإحسان منذ أن كانَ مع أصحابه في السجنِ قال تعالى: ﴿ نَبِّئۡنَا بِتَأۡوِیلِهِۦۤۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾ صدق الله العظيم[يوسف ٣٦]، وفي حال علوه وسؤدده قال الله تعالى: ﴿قَالُوا۟ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡعَزِیزُ إِنَّ لَهُۥۤ أَبࣰا شَیۡخࣰا كَبِیرࣰا فَخُذۡ أَحَدَنَا مَكَانَهُۥۤۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾ صدق الله العظيم [يوسف ٧٨] حتى في عاقبة أمره، قال تعالى: ﴿ إِنَّهُۥ مَن یَتَّقِ وَیَصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا یُضِیعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾ صدق الله العظيم [يوسف ٩٠]هكذا هو حال المُصلح.
وأيُّ إحسانٍ أعظم من إحسانه إلى إخوته، وهم في حاجته، وهو في سؤدده ورئاسته، وقد أبعدوه عن أبيه، وهموا بقتله، وجعلوه في غيابة الجُبِّ على حداثة سنه وضعفه، وأخذه القومُ بعيداً، وباعوه بثمنٍ بخسٍ دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين، ودخل السجنَ غريباً وحيداً، ثم لا زالوا بعد ذلك يقولون، قال الله عنهم: ﴿۞ قَالُوۤا۟ إِن یَسۡرِقۡ فَقَدۡ سَرَقَ أَخࣱ لَّهُۥ مِن قَبۡلُۚ فَأَسَرَّهَا یُوسُفُ فِی نَفۡسِهِۦ وَلَمۡ یُبۡدِهَا لَهُمۡۚ قَالَ أَنتُمۡ شَرࣱّ مَّكَانࣰاۖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا تَصِفُونَ﴾ صدق الله العظيم [يوسف ٧٧].
أيُّ إحسانٍ راسخٍ في نفسِ هذا المُصلح/ حين يغلبُ الإحسانُ بقيةَ النوازع، ويجود بالسّماح والغفران دون تريث، قال تعالى عن سيدنا يوسف: ﴿قَالَ لَا تَثۡرِیبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡیَوۡمَۖ یَغۡفِرُ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّ ٰحِمِینَ﴾ صدق الله العظيم[يوسف ٩٢].
حتى الألفاظ في غاية الرقي والإحسان، حتى يضطره سياق الشكر أن يذكر المِحنة، وما وقع له، قال تعالى: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَیۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّوا۟ لَهُۥ سُجَّدࣰاۖ وَقَالَ یَـٰۤأَبَتِ هَـٰذَا تَأۡوِیلُ رُءۡیَـٰیَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّی حَقࣰّاۖ وَقَدۡ أَحۡسَنَ بِیۤ إِذۡ أَخۡرَجَنِی مِنَ ٱلسِّجۡنِ وَجَاۤءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ مِنۢ بَعۡدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ بَیۡنِی وَبَیۡنَ إِخۡوَتِیۤۚ إِنَّ رَبِّی لَطِیفࣱ لِّمَا یَشَاۤءُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡحَكِیمُ﴾ صدق الله العظيم [يوسف ١٠٠] فالشيطان هو سبب المشكلة، وهو وإخوته على مسافةٍ واحدة من المشكلة.
لا أظنّه يقدر على مثل هذا الإحسان إلّا نبي، ولكنّ التشبُّه والمحاولة والتسديد والمقاربة.
فهناك ارتباط بين الرحمة والإحسان فالله تعالى قال عن عبده الخضر: ﴿فَوَجَدَا عَبۡدࣰا مِّنۡ عِبَادِنَاۤ ءَاتَیۡنَـٰهُ رَحۡمَةࣰ مِّنۡ عِندِنَا وَعَلَّمۡنَـٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلۡمࣰا﴾ صدق الله العظيم[الكهف ٦٥] فقدم الرحمةَ على العلم.