من فنون النثر العربية - الأمثال

اقرأ في هذا المقال


في أبسط تعريف للمثل قيل عنه إنه قول يوصف بالموجز لدرجة تصل حد البلاغة، وقد قيل في مناسبة معينة، ثم استخدمه الناس لخفته وبلاغته في المواقف المشابهة، ونادرًا ما يمسّه التغيير، وهو مُحكم الصياغة، يُعمد فيه الى استعمال ضُروب البديع: كالسجع والجناس والطباق.

نشأة الأمثال:

نشأة المثل أو ما يُسمى مورد المثل: ينشأ المثل من الحادثة التي وقعت في الماضي، ودار فيها القول، ويأتي من بين الكلمات عبارة قوية مكثفة في تلخيص الموقف، أو استخلاص العبرة منه، فيكون وقعها وتأثيرها قويًا علي السامع وتتلقفها الألسنة؛ فتذيع وتنتشر وتصبح مثلًا يُقال في كل موقف يشبه الموقف الذي سيقت فيه أول العبارة، وهذا ما يُسمى “مورد المثل“.

مضرب الأمثال:

يُضرب المثل في مواقفت شبه الحالة التي ورد فيها مع الإبقاء على لفظ المثل وضبطه وهذا يسمى: “مضرب المثل”، وهو استعارة تمثيلية؛ ولذلك فكل مثل له مودر ومضرب.

أنواع المثل:

للأمثال حكايات وقصص، وبعضها نجد له أكثر من رواية لقصته، وللأمثال أنواع عديد سيتم ذكرها فيما يلي:

  • أمثال مرتبطة بحادثة واقعية.
  • أمثال مرتبطة بحكاية خيالية.
  • بعض الأمثال يمثل نهجًا معينًا في الحياة مثل قولهم: “إن الحديد بالحديد يفلح”، أي يُستعان في الأمر الشديد بما يشاكله ويُقابله في الشدة، وهذا مثل قولهم “لا يفلّ الحديد إلا الحديد”.
  • بعض الأمثال يحمل توجيهًا خاصًا مثل قولهم: “قبل الرماء تملأ الكنائن”، ويُحكى في وجوب الاستعداد للأمر قبل وقوعه، وحتى لا يُؤخذ الإنسان على غرة، وهو غير مستعد لملاقاته.
  • كما أن بعض الأمثال يُبنى على ملاحظة مظاهر الطبيعة أو يرتبط بأشخاص اشتهروا بصفات خاصة.

أسباب انتشار وذيوع الأمثال عند العرب في كافة العصور:

لعل من أهم أسباب انتشار وذيوع الأمثال عند العرب في كافة العصور بداية من العصر الجاهلي إلى عصرنا الحاضر، أنها بيئة فطرية تغلب فيها الأمية وتشتد الحاجة إلى التجارب المستخلصة في عبارات لها معني صادق، ومن الأسباب كذلك أن الأمثال ترتبط بحادثة أو حكاية تساعد علي انتشاره، كما أنها تُصاغ في الأغلب في عبارة حسنة، يظهر فيها دقة التشبيه بين المورد والمضرب، وذلك هو ما يُرضي الذوق العربي.

الخصائص الفنية للأمثال:

من أهم سمات وخصائص الأمثال إيجاز في اللفظ وقوة العبارة ودقة التشبيه وسلامة الفكرة كذلك، كل هذا جعل الأمثال في متناول جميع فئات المجتمع.

الأمثال في القصص الخرافية على ألسنة الحيوانات:

بعض الحكايات الخرافية التي جرت على ألسنة الحيوانات والطيور أصبحت أمثالًا، وذلك يعني أن المثل لم يكن إبداعاً سريعاً في واقعة كما في السابق، وإنما يكون جزءً من شكل إبداعي أوسع وألصق بعمل الخيال الخلاق، ومن هذه القصص:

قصة الغراب والديك:

في كثير من الروايات ورد أن الديك كان نديمًا للغراب، وأن الديك والغراب قد شربا الخمر عند خمّار ولم يقوما بإعطائه أي شيء، وذهب الغراب ليأتيه بالثمن لما شرب، ورهن الديك فخاس به فبقي محبوسًا، وربما لهذا الغدر تشاءمت العرب من الغراب، ورأته نذيرًا بالفرقة والخراب، ربما لأنه تسبب في فقدان الديك حريته، واستئثاره لدى البشر حتى اليوم.

الاحتكام إلى الضب:

قام العرب بابتداع القصص لتبرير عدد لا بأس به من الأمثال التي دارت بينهم وجرت على ألسنتهم، ومن هذه القصص: “احتكام الأرنب والثعلب إلى الضب”، وتكاد تكون كل جمل الحوار في هذه القصة تكون أمثالًا، وقد تميزت بالحيوية ومرح الموقف وقصر العبارة وسلاستها ودقة وعمق ما فيها من أمثال، إلى جانب تعدد شخوصها وصدق التعبير عن سماتها النفسية “، وفيما يلي القصة: هذا مما زعمت العرب على ألسن البهائم، إذ قالوا: إن الأرنب التقط ثمرة فاختلسها الثعلب فأكلها، فانطلقا يختصمان إلى الضب، فقالت الأرنبة: يا أبا الحسل “كنية الضب”، فقال الضب: سميعًا دعوتِ، فقالت: أتيناك لنختصم إليك، قال: عادلًا حكمتما، قالت: فاخرج إلينا، فقال: في بيته يؤتي الحكم، قالت: إني وجدت ثمرة، قال: حلوة فكليها، قالت: فاختلسها الثعلب، قال: لنفسه بغى الخير، قالت: فلطمته، قال: بحقك أخذتِ، قالت: فلطمني، قال: حر انتصف “أي اقتصّ لنفسه”، قالت: فاقض بيننا، قال: قد قضيت، فذهبت أقواله كلها أمثالًا.

تلك كانت نبذة عن الأمثال بشكل عام، تعرفنا فيها إلى ما تميزت به الأمثال من خفه ودقة وسلاسة وإيجاز وعمق في الأفكار، وما حتويه من حكمة وصواب رأي، وشهدنا على إبداع العرب وتفنن في صياغة الأمثال، فحياتنا الآن لا تخلو من أمثالهم وحكمهم.


شارك المقالة: