مهيئات ملكة الشاعر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


تفردت الأندلس عن باقي بقاع الأرض بطبيعتها الخلابة التي خصَّها الله بها، وتميزت بجمال تضاريسها المتنوعة، وكثرة الأنهار وتنوع الأشجار فيها، فهي تشبه الفردوس بمكوناتها، وكانت الطبيعة هي دافع الشعراء الأندلسيين الأولى، فمنها يستخدمون صورهم وألفاظهم الشعرية، وكذلك تتميز الأندلس بأهلها المحبين للعلم والتعلم والثقافة وكل تلك المهيئات هي الموجهة لشعراء الأندلس لنظم أروع الأشعار.

مهيئات ملكة الشاعر الأندلسي

تُعرف المهيئات بأنها: الأسباب والعوامل التي توجّه وتدفع بالشاعر إلى نظم الأشعار، وتعددت المهيئات الأندلسية التي دفعت بالشعراء إلى نظم الدواوين والأشعار، ومدّ الشاعر بالألفاظ الجزلة، والصور والتشبيهات الراقية، وقد حددت المهيئات والعوامل التي دفعت شعراء الأندلس إلى نظم القصائد الأندلسية إلى أمرين رئيسيين هما: البيئة الخلابة والعيش في مجتمع مهتم بالأدب والشعر ومنفتح على علوم وآداب الشعوب الأخرى.

المهيئة الأولى لملكة الشاعر الأندلسي

الطبيعة الأندلسية الجميلة: تميزت بلاد الأندلس بجمال البيئة وتنوع تضاريسها من سهول وهضاب وجبال، وكذلك اعتدال المناخ، ووفرة المياه الساقطة على أرض الأندلس أو الجارية فيها من جداول وأنهار وبحار، وتنوع الأشجار والخيرات فيها وفراهة الحيوانات فيها، وكذلك جمال المباني والقصور والمعمار فيها.

والشاعر الأندلسي هو ابن البيئة نشأ وعاش فيها، وكانت دافع وملهم له إلى نظم أجمل الأبيات الشعرية، وتفجير المواهب لديه وفي ذلك يقول الحجاري:

“وهم أشعر الناس فيما كثره الله تعالى في بلادهم وجعله نصب أعينهم من الأشجار والأنهار والطيور، لا ينازعهم أحد في هذا الشأن”

ومن أبرز الشعراء الذين تأثروا بالبيئة الأندلسية الخلابة والتي قامت على شحذ قرائحهم لنظم أروع الأشعار في جميع أنواع الشعر، ابن الأبار الخولاني وعرف عن عشقه للطبيعة، وتميز في الوصف وتصوير رياض الأندلس وبساتينها وأزهارها ورياحينها، وكذلك ابن سهل الإشبيلي الذي تغنى في أشعاره بالطبيعة الأندلسية، ويقوم بتصويرها بأجمل الصور وهي ترتدي ثوبها الأخضر، وقطرات الماء تتساقط عليها كأنها حبات اللؤلؤ المنثور على الرُّبا، حيث يقول:

الأرض قد لبست رداءً أَخضرا

والطَلُّ ينثُرُ في رباها جوهرا

هاجت فَخِلتُ الزَهرَ كافورًا بها

وحَسِبتُ فيها التُربَ مسكًا أَذفَرا

وكأنَّ سوسنها يُصافحُ وَردَها

ثغرٌ يُقبلُ مِتهُ خَدًا أحمرا

والنهر ما بين الرياض تخالُهُ

سيفًا تعلَّقَ في نجادٍ أخضرا

المهيئة الثانية لملكة الشاعر الأندلسي

البيئة الاجتماعية المهتمة بالأدب والشعر بالذات: نشأ الشاعر الأندلسي وعاش وسط بيئة اجتماعية مثقفة فصيحة اللسان مهتمة بالآداب والعلوم، ومنفتحة على ثقافات وآداب الشعوب الأخرى وخصوصًا أدب وشعر المشرق العربي الذي أغرموا فيه وفي آدابه وعلومه وأشعاره كذلك وظلوا فترة طويلة مقيدين ومتأثرين بهذا الأدب.

اهتم الأندلسيون بالملكة اللغوية وكذلك اهتموا بالتذوق الأدبي للفرد، ويتجلى ذلك في أسلوب التعليم الذي سلكوه في تعليم المبتدئين، وتمسكوا بالقرآن الكريم وجعلوه أساسًا في التعليم، كما عمدوا إلى تعليم المبتدئين رواية الشعر والترسل في ذلك، أيضًا الاهتمام بقواعد اللغة العربية وحفظها وكذلك اهتموا إلى تعليمهم تحسين وتجويد الخط، وكل هذه الأساليب المتبعة في التعليم أدت إلى تقوية الملكة اللغوية، وتقوية ألسنتهم على تأليف الكلام والإجادة في التعبير وإثراء المعجم اللغوي لدى المتعلم.

وتتركز عناية علماء بلادهم بالشعر من خلال عدة مظاهر مختلفة، حيث نجد الشعر ينتشر نظمه وإلقائه في حلقات الدرس بأساليب وطرق وروايات متعددة، وكان في أشعارهم تأثر واضح بشعراء المشرق فنجدهم قد تعرفوا على أبي تمام وفتنوا بأشعاره وأصبحوا يقلدونه في نظم أبياتهم الشعرية، وكذلك كان لهم اتصال بشعر المتنبي وعرفوه في وقت مبكر وتم نقله إلى بلاد الأندلس بوسائل وطرق متعددة.

وظهر اهتمام العلماء بملكة الشعر من خلال انشغال مجموعة من علماء الأندلس بتدريس الشعر وقراءته في حلقات الدرس الخاصة بهم، والتي كانت تنتشر في بلاد الأندلس عامةً وفي مساجد قرطبة خاصة ومن حلقات الدرس هذه تخرج نخبة مميزة من العلماء والأدباء وكذلك الشعراء، ونذكر منهم الشاعر أبو عبد الله الغابي، وعرف عنه أنه كان شديد الحفظ لأشعار الشعراء وماهرٌ في إلقائه للشعر في حلقات الدرس، كذلك ابن الأصفر، وأبو العباس الطبيخي وغيرهم الكثير.

ومن هنا نستطيع القول أن شعراء الأندلس قد وجدوا في محيط علمي وثقافي وأدبي مهتم بتنمية الموهبة اللغوية والذوق لدى الشعراء اهتمامًا واسعًا، واحتل الأدب عامة والشعر خاصة منزلة ومكانة الشرف العالية في ذلك العصر، وساعد ذلك شعراء الأندلس على صقل موهبتهم وتجهيزهم لنظم الأشعار.

وفي النهاية نستنتج أن بلاد الأندلس قد وفرت لشعراء الأندلسيين العديد من المهيئات لنمو وازدهار ملكة الشعر لديهم، ومن هذه المهيئات البيئة الطبيعية الأندلسية الخلابة التي لعبت دور كبير في إلهام الشعراء ودفعهم إلى نظم أجمل الأشعار، وكذلك إن للحياة الاجتماعية دور واضح في ذلك.


شارك المقالة: