على الرغم من كثرة الدراسات والجهود التي تمت في الأدب والشعر بشكل خاص، إلا أنّ التراث الأدبي الخاص بأدباء المسلمين وصل إلينا بصورة ناقصة، ففي هذا الوقت لم يكن بالاستطاعة العثور على نصوص بشكل صريح عن مفهوم الشعر لكل واحد منهم، إلا أنّ عدد منهم قد قاموا علىٰ تعريف الشعر من جهة نظرهم؛ وأفصحوا عن ماهيته، ومن هؤلاء وأبرزهم هو الفارابي.
تعريف الشعر عند الفارابي
يُطلِق الفارابي علىٰ الشعر اسم “الأقاويل الشعرية”، وأنّها تتكون من أشياء مُحاكية للأمر الذي فيہ القول”، أو هي “توقِع في ذهن السامعين المحاكىٰ للشيء”.
ويعرِّفه كذلك بأنّه: “الصناعة التي بها يقدر الإنسان علىٰ تخييل الأمور التي تبيَّنت ببراهين يقينية في الصنائع النظرية، والقدرة علىٰ محاكاتها بمثيلاتها”.
ومن تعريفاته الأبرز تعريف: “الأقاويل الشعرية هي التي تركَّب من أشياء شأنها أن تخيّل -في الأمر الذي فيہ المخاطبة- حالًا ما، أو شيئًا أفضل أو أخسّ، وذلك إما جمالًا أو قُبحًا، أو جلالًا أو هوانًا، أو غير ذلك مما يُشاكل ذلك”.
ويقوم بتفصيل التعريف بشكل أكبر بما يلي: “قوام الشعر وجوهرہ عن القدماء هو أن يكون قولًا مما يحاكي الأمر، وأن يكون مقسومًا بأجزاء ينطبق بها، في أزمنة متساوية… وأعظَم هذين في قوام الشعر هو المحاكاة، وعلم الأشياء التي تكون بها المحاكاة، وأصغرها الوزن”. ويُلاحَظ هنا تطرُّقه لموضوع الوزن في الشعر.
وهذه التعريفات جميعها لا تختلف عن بعضها إلا أنّ بعضها قام بالتركيز على الأثر الذي يقوم الشعر بإحداثه في نفس المتلقّي، وذلك على اعتباره بأنه تخيل؛ وفي البعض الآخر من التعريفات يقوم بالتركيز على المشكلة التي تقوم بإحداث هذا الأثر وهي المحاكاة؛ وفي النهاية هو يقوم بالتركيز على السمات الداخلية، ثم بعد ذلك يكون التركيز على السمات في الشكل.
نظرية الشعر عند الفارابي
إن الشعر عند الفارابي ما يصفه بأنه “نافع ولذيذ” معًا، ولهذا فإن قيمة الشعر عند الفارابي في كون الشعر مفيد وممتع، ويظهر ذلك واضحاً عندما قام بذكر ذلك بشكل صريح أن الشعر يستعمل في أمور الجِّد وكذلك في أمور اللعب.
فالشعر عنده نافع؛ لأنه يقوم بالإسهام في الارتقاء بالأشخاص، وذلك عن طريق التأثير في السلوك ويقوم بتوجيه أعماله؛ لإنجاز الغاية منه وهي السعادة التي هي من أسمى غايات الإنسان، ومن جهة أخرى فيحقق الشعر هدف آخر وهو اللعب والمتعة.
والشعر عند الفارابي هو عبارة عن محاكاة بشكل جذري، والمحاكاة عبارة عن تخيل يقود إلى عمل محدد، فإن الإنسان في الغالب في أعماله يقوم باتباع ما يتخيله ولكن عادةً ما يكون ما يقوم بعمله مختلفاً عما يتخيله، وبهذا يكون عمله يتم وفقاً لتخيله لا وفق لظنه به، فلذلك أصبح الهدف المنشود “بالأقاويل المخيلة” أو الشعر أن يدفع الشخص لفعل الأمر الذي تخيله وفيه منفعته، سواء كان هذا التخيل صادق أم لا.
ومن الواضح أن هدف المحاكاة عند الفارابي هو الحث على العمل وليس فقط المحاكاة ذاتها، وفي هذا الموضوع يتفق الفارابي مع أرسطو في موضوع التطهير الذي هو في الأصل عبارة عن الحث على العمل كذلك، ولكن بصورة غير مباشرة، ووفقاً لهذا فإن الفارابي يعطي الشاعر دور الموجه الذي يستطيع التأثير في عمل الإنسان، كما أنه لا يقوم بإلزامه بمطابقة الواقع بقدر ما يقوم بإلزامه بفاعلية المحاكاة وفق هدفه في الحث على عمل معين.
اللذة في الشعر عند الفارابي
حدد الفارابي في الشعر الغاية من الشعر وذلك بالوصول إلى اللذة أو الفائدة، فيكون غاية الشعر عنده في ضوء ذلك إما الوصول إلى اللذة أو تحصيل الفائدة، فإذا كانت غايته الوصول إلى اللذة أصبح كطريقة للوصول لراحة النفس والتي يطلبها كل شخص.
ويؤكد الفارابي على أهمية ألّا يكون الإحساس باللذة في الشعر هدف مجرد بحد ذاته، وليس هدفه من ذلك التقليل من اللذة أو المتعة، بل إنه يدرك أن هذه الناحية مهمة؛ لكي يسعى الإنسان في حياته، فهذا الشكل من الشعر يوصل صورة من الراحة للشخص تجعله على استطاعة دائمة من تجميع طاقاته من أجل التوجه نحو الأعمال الجدية.
الفائدة في الشعر عند الفارابي
يتعلق الهدف التعليمي للشعر عند الفارابي بتسهيل الوصول إلى المعرفة من الناحية النظرية والتي ينبغي أن يعرفها الأشخاص، والتي من الضرورة معرفتها للوصول إلى الكمال الإنساني المطلوب والتمهيد لذلك، وبهذا تتم الفائدة منه.
وفي النهاية يعتبر الفارابي من الفلاسفة اللذين تناولوا تعريف الشعر والغاية منه، وهو يعتبر مرجع لدراسة الشعر من خلال نظريته وفلسفته في الشعر ومضمونه.