هناك مثالان رئيسيان لمنهج جون لانجشو أوستنالفلسفي المطبق على القضايا المعرفية هما:
- مقالة بعنوان عقول أخرى في عام 1946.
- سلسلة محاضرات العقل والمعقول (Sense and Sensibilia)، التي ألقيت في أكسفورد وبيركلي خلال العقد من 1947 إلى 1958 ونشرت في عام 1962.
مقالة عقول أخرى هي ورقة بحثية قُدمت في ندوة متجانسة اللفظ في جلسات مشتركة لجمعية جمعية العقل (Mind Association) والجمعية الأرسطية حيث كان جون ويزدوم وألفريد جولز آير وأوستن هم المشاركون الرئيسيون، وكان موضوعها محل نقاش كبير في منتصف عقود القرن العشرين، أمّا في (Sense and Sensibilia) يطبق أوستن تحليله اللغوي على نظرية بيانات المعنى والنظرية التأسيسية الأكثر عمومية للمعرفة، والتي من خلالها لعبت بيانات المعنى دور أساس بنية المعرفةالتجريبية من أجل الحصول على توضيح مفهوم الإدراك.
محاضرات العقل والمعقول للفيلسوف أوستن:
تمثل هذه المحاضرات نقدًا مفصلاً للغاية للادعاءات التي طرحها ألفريد جولز آير في أسس المعرفة التجريبية في عام 1940، وبدرجة أقل لتلك التي وردت في تصور هنري هابرلي برايس عام 1932 وجيفري جيمس وارنوك بيركلي عام 1953، ويتحدى أوستن نظرية البيانات الحسية والتي بموجبها لا ندرك أبدًا الأشياء المادية بشكل مباشر، وعلى العكس من ذلك تدعي هذه النظرية أننا لا ندرك شيئًا سوى بيانات المعنى.
يتم تقديم مفهوم بيانات الحس لتحديد موضوع الإدراك في حالات استثنائية غير طبيعية، على سبيل المثال الانكسار والسراب والصور المرآة والهلوسة وما إلى ذلك، حيث في مثل هذه الحالات يمكن أن تكون التصورات إمّا مضللة نوعيًا أو خادعة وجوديًا وذلك اعتمادًا على ما إذا كانت البيانات الحسية تمنح الأشياء المادية صفات لا تمتلكها حقًا، أو أنّ الأشياء المادية المقدمة غير موجودة على الإطلاق.
في جميع هذه الحالات كما يؤكد مُنظِّر البيانات الحسية فإننا ندرك البيانات الحسية بشكل مباشر، والخطوة التالية في هذه الحجة المسماة الحجة من الوهم هي الادعاء بأننا في الحالات العادية أيضًا ندرك بشكل مباشر مجرد بيانات المعنى.
هدف أوستن ليس الإجابة على السؤال ما هي أشياء الإدراك؟ ولكن يهدف أوستن إلى التخلص من الأوهام مثل: الحجة من الوهم من جهة، وتقديم تقنية لحل المخاوف الفلسفية من جهة أخرى من خلال توضيح معنى كلمات مثل (حقيقي) و(تظهر) و(يبدو)، حيث ترقى الحجة من الوهم إلى سوء فهم بقدر ما تقدم انقسامًا زائفًا، أي ذلك بين بيانات المعنى والأشياء المادية.
يتحدى أوستن هذا الانقسام والادعاء اللاحق بأنّ التصورات الشاذة والخادعة لا تختلف عن التصورات العادية والصحيحة من حيث الجودة، ففي كلتا الحالتين يتم إدراك بيانات المعنى وإن كانت بدرجات مختلفة، ومن خلال تقديم حالات مختلفة من التصورات بالترتيب؛ لإثبات أنّه لا يوجد نوع واحد من الأشياء ندركه، ولكن هناك العديد من الأنواع المختلفة، ويمكن اختزال العدد إذا كان من خلال البحث العلمي وليس بالفلسفة.
إلى جانب الكراسي والطاولات والأقلام والسجائر التي أشار إليها مُنظِّر البيانات الحسية كأمثلة لأشياء مادية، يلفت أوستن الانتباه إلى أقواس قزح والظلال واللهب والأبخرة والغازات كحالات لأشياء نقول عادة إننا ندركها على الرغم من أننا لن نصنفها على أنّها أشياء مادية، وبالمثل كما يجادل أوستن لا توجد طريقة واحدة (تنخدع بالحواس) أي أن ندرك شيئًا غير واقعي أو غير مادي، ولكن قد تسوء الأمور بعدة طرق مختلفة ومنها: لا يجب أن تكون كذلك، ويجب ألّا يُفترض أنّه، والتي يمكن تصنيفها بأي شكل عام.
علاوة على ذلك يسأل أوستن عما إذا كنا سنكون عرضة للحديث عن الأوهام بالإشارة إلى الأحلام أو ظواهر المنظور أو الصور أو الصور المرآة أو الصور على الشاشة في السينما، فمن خلال التذكير بمعرفة الظروف التي نواجه فيها هذه الظواهر والطرق التي نأخذها في الاعتبار عادة، يعتزم أوستن إظهار كيف أنّ الانقسامات بين البيانات الحسية والأشياء المادية وبين التصورات الوهمية والأخرى الحقيقية هي في الواقع بدائل زائفة.
إنّ حقائق التصورات متنوعة ومعقدة، ويتيح لنا تحليل الكلمات في سياقات استخدامها أن نجعل الفروق الدقيقة التي طمسها الهوس لدى بعض الفلاسفة لكلمات معينة، على سبيل المثال (حقيقي) و(واقع)، وبسبب عدم الانتباه إلى (ولا يمكن حتى للتبادل عن بعد) استخدامات أفعال مثل (انظر) و(تظهر) و(يبدو)، كما إنّ الطريقة التي يستخدم بها منظرو بيانات المعنى كلمتي (حقيقي) و(مباشر) في الحجة من الوهم ليست الاستخدام العادي لهذه الكلمات ولكنها استخدام جديد والذي لا يمكن تفسيره مع ذلك.
لا يريد أوستن استبعاد إمكانية تتبع الفروق الجديدة للأغراض النظرية، وبالتالي إصدار ممارساتنا اللغوية من خلال إدخال مصطلحات تقنية، ولكنه يقترح دائمًا الانتباه إلى الاستخدامات العادية لكلماتنا من أجل تجنب المبالغة في التبسيط والتشويه.
على سبيل المثال يفحص أوستن كلمة (حقيقي) ويقارن بين المعاني العادية والراسخة لهذه الكلمة كما تحددها الطرق اليومية التي نستخدمها بها مع الطرق التي يستخدمها منظرو بيانات المعنى في حججهم، وما يوصي به أوستن هو دراسة متأنية للمعاني العادية والمتنوعة لتلك الكلمة من أجل عدم الفرض، على سبيل المثال صفة غير طبيعية مصممة بواسطة تلك الكلمة، ومشتركة بين جميع الأشياء التي تُنسب إليها هذه الكلمة (البط الحقيقي، والقشدة الحقيقية، والتقدم الحقيقي، واللون الحقيقي، والشكل الحقيقي، وما إلى ذلك).
فلسفة أوستن في تحديد معنى كلمة حقيقي:
يسلط أوستن الضوء على التعقيدات المناسبة لاستخدامات (الحقيقي) بملاحظة أنّه كذلك:
- كلمة جائعة غالبًا ما تلعب دور.
- كلمة الضبط، وهي كلمة يتم تعديل الكلمات الأخرى من خلالها لتلبية المطالب التي لا حصر لها وغير المتوقعة للعالم على أساس اللغة.
- مثل كلمة (جيد)، فهي كلمة بُعد، أي المصطلح الأكثر عمومية وشمولية في مجموعة كاملة من المصطلحات من نفس النوع، والمصطلحات التي تؤدي نفس الوظيفة.
وهذا يعني أنّ الكلمات التالية:
أ- صواب.
ب- مناسب.
ج- حقيقي.
د- حي.
هـ- طبيعي.
و- أصيل.
على عكس مصطلحات التالية مثل:
أ- خطأ.
ب- اصطناعي.
ج- مزيف.
د- زائف.
هـ- لعبة.
ولكن أيضًا لأسماء مثل (حلم) و(وهم) و(سراب) و(هلوسة).
- كلمة (حقيقي)، حيث هي أيضًا كلمة يتم استخدامها بشكل عكسي: “يلبس السروال” (كلمة بنطلون).
من أجل تحديد معنى (حقيقي) علينا أن ننظر حالة بحالة في الطرق والسياقات التي يتم استخدامها فيها، وفقط من خلال القيام بذلك وفقًا لأوستن يمكننا تجنب إدخال الانقسامات الزائفة.
مقالة عقول أخرى للفيلسوف أوستن:
يتناول أوستن في هذه الورقة المشكلات الفلسفية المتعلقة بإمكانية معرفة الحالات العقلية لشخص آخر على سبيل المثال أن يكون شخصًا آخر غاضبًا، وموثوقية الأسباب التي نناشدها عندما نبرر تأكيداتنا حول حقائق تجريبية معينة على سبيل المثال أنّ الطائر الذي يتحرك حول حديقتي هو طائر الحسون، فالهدف من تحليل أوستن هو النتيجة المشككة لتحدي مثل هذا الاحتمال من جانب بعض الفلاسفة، ففي هذه الحالة يعالج أوستن بعض مزاعم الفيلسوف جون ويزدوم.
فيما يتعلق بمعرفة حقائق تجريبية معينة وبالنظر إلى أنّ العقل والحواس البشريين في الواقع غير معصومين عن الخطأ ومضللون، يزعم المشككون أنّه لا ينبغي لنا أبدًا أو تقريبًا عدم قول ذلك شيء ما، باستثناء ما يمكننا إدراكه بحواسنا الآن، على سبيل المثال، هنا شيء يبدو أحمر بالنسبة لنا الآن، ومن ناحية أخرى يتم تحدي إمكانية معرفة الحالات العقلية لشخص آخر عن طريق فكرة الوصول المتميز إلى أحاسيسنا وحالاتنا العقلية، بحيث لا يمكننا أن نكون مخطئين بالمعنى الأكثر تفضيلًا.