جنباً إلى جنب مع جورج إدوارد مور كان الفيلسوف برتراند راسل معروف بشكل عام كأحد مؤسسي الفلسفة التحليلية الحديثة، وتعد مفارقته الشهيرة ونظريته الوحودية المحايدة ونظرية الأنواع التي قام بالعمل مع الفريد نورث وايتهيد (A.N. Whitehead) في كتاب مبادئ الرياضيات (Principia Mathematica)، وذلك بتنشيط دراسة المنطق خلال القرن العشرين، كما اشتهر في أذهان العامة بإلحاده الإنجيلي بقدر ما اشتهر فيلسوفنا بإسهاماته في الفلسفة التقنية.
فكر راسل عن نظرية الوحودية في العالم:
في البداية لا بد من الذكر بأنّ النظرية الوحودية ترفض فكرة أنّ العالم يتصف بالازدواجية، كما يظن البعض بالتفكير بأنّ هناك تمايز وازدواجية بين الله والعالم أو بين العقل والمادة.
فمن بين مساهمات برتراند راسل المهمة هو دفاعه عن الوحدوية المحايدة، فوجهة النظر القائلة بأنّ العالم يتكون من نوع واحد فقط من المواد التي ليست عقلية حصرية ولا مادية بشكل حصري، ومثل المثالية التي بوجهة نظرها القائلة بأنّه لا يوجد شيء سوى العقلية، بينما المادية التي برأيها القائل بأنّه لا يوجد شيء سوى المادي، هنا ترفض الأحادية المحايدة الثنائية الرأي القائل بوجود مواد عقلية وجسدية أو مادية متميزة.
ومع ذلك على عكس المثالية والمادية ترى الأحادية المحايدة أنّ هذه المادة الوحيدة الموجودة يمكن أن يُنظر إليها في بعض السياقات على أنّها عقلية وفي سياقات أخرى على أنّها مادية، وكما قال راسل:
“الأحادية المحايدة على عكس الأحادية المثالية والوحدة المادية، فهي النظرية القائلة بأنّ الأشياء التي يُنظر إليها عمومًا على أنّها عقلية، والأشياء التي يُنظر إليها عمومًا على أنّها مادية لا تختلف فيما يتعلق بأي خاصية جوهرية تمتلكها المجموعة وليس الأخرى، ولكنها تختلف فقط فيما يتعلق بالترتيب والسياق”.
للمساعدة في فهم هذا الاقتراح العام يقدم راسل تشبيهه بالدليل البريدي:
“يمكن توضيح النظرية بمقارنتها بدليل بريدي حيث تظهر فيه نفس الأسماء مرتين مرة في الترتيب الأبجدي والأخرى بالترتيب الجغرافي، وقد نقارن الترتيب الأبجدي بالترتيب العقلي والجغرافي بالمادي، وتختلف أوجه التشابه بين شيء معين في الأمرين وتخضع أسبابه وآثاره لقوانين مختلفة.
ويمكن ربط شيئين في العالم العقلي من خلال ارتباط الأفكار ففي العالم المادي بقانون الجاذبية، وتمامًا كما أنّ لكل رجل في الدليل نوعان من الجيران، وهما الجيران الأبجديون والجيران الجغرافيون فإنّ كل كائن يقع عند تقاطع سلسلتين سببيتين مع قوانين مختلفة، وهما السلسلة العقلية والمتسلسلة المادية.
الأفكار لا تختلف في الجوهر عن الأشياء، فتيار أفكاري هو تيار من الأشياء، أي الأشياء التي يجب أن يقال عادة أنني أفكر فيها ما يؤدي إلى تسميته بتيار من الأفكار هو أنّ قوانين الخلافة تختلف عن القوانين الفيزيائية”.
بعبارة أخرى عندما يُنظر إلى رأي أو فكرة على أنّها عقلية فقد عندما تكون مرتبطة بها أراءًا أو أفكارًا أخرى، والتي تبدو مرتبطة بها على الرغم من أنّه عندما يُنظر إليها على أنّها جسدية أو مادية، حيث إنّ لديها القليل جدًا من القواسم المشتركة.
وكما يشرح راسل: “في رأيي قد يستدعي قيصر شارلمان، بينما في العالم المادي كانا منفصلين على نطاق واسع”، ومع ذلك فمن الخطأ من وجهة النظر هذه افتراض نوعين متميزين من الأشياء (فكرة قيصر والرجل قيصر) اللذان يتألفان من مادتين متميزتين (العقلية والمادية)، وبدلاً من ذلك فإنّ ثنائية العقل والمادة بأكملها وفقًا لهذه النظرية خطأ، وهناك نوع واحد فقط من الأشياء التي يتكون منها العالم وتسمى هذه الأشياء ذهنية في ترتيب واحد ومادي في ترتيب آخر.
يبدو أنّ راسل قد طور هذه النظرية في حوالي عام 1913 أثناء عمله على مخطوطة نظرية المعرفة وعلى مقالته الوحودية (Monist) في عام 1914 حول طبيعة التعارف، وبعد عقود من ذلك وفي عام 1964 قال: “لست مدركًا لأي تغيير جاد في فلسفتي منذ أن تبنيت الوحدوية المحايدة”.
أهم مؤلفات راسل في هذا المجال:
ومع ذلك استمر راسل على مدى العقود العديدة التالية في القيام بقدر كبير من العمل الأصلي، مؤلفًا كتبًا مهمة مثل:
1- تحليل العقل في عام 1921.
2- تحليل المادة في عام 1927.
3- تحقيق المعنى والحقيقة في عام 1940.
4- المعرفة البشرية: نطاقها وحدودها في عام 1948.
هذا بالإضافة إلى العناوين المذكورة أعلاه من قبل راسل تشمل كتابات راسل الأكثر تأثيرًا فيما يتعلق بنظرياته عن الميتافيزيقيا ونظرية المعرفة معرفتنا بالعالم الخارجي، وعلاقة البيانات الحسية بالفيزياء وفلسفة الذرية المنطقية (1918 و1919) وفي الاقتراحات: ما هي وكيف تعني ومخطط للفلسفة.
اليوم أظهر العديد من المؤلفين بمن فيهم ديفيد تشالمرز (David Chalmers) وتوماس ناجل (Thomas Nagel) وإريك بانكس (Erik Banks) اهتمامًا متجددًا بالنظر في نهج راسل العام للعقل.