وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين

اقرأ في هذا المقال



وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين :

سماع رأي الآخرين في التفكير ضرورة في التفكير الصحيح، ولا يجوز أن يُحارِب الرأي الآخر إلّا الخائفون من سطوة الحق على مواقفهم الضعيفة.

فالحق لا يتضرر من الرأي الآخر، بل يزيده نوراً وبياناً، أمّا الرأي الضعيف، فإنّه يطلب الحياة والبقاء بمحاربة الآراء الأخرى، وحجبها عن الناس، قال تعالى: ﴿وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَا تَسۡمَعُوا۟ لِهَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَٱلۡغَوۡا۟ فِیهِ لَعَلَّكُمۡ تَغۡلِبُونَ﴾ صدق الله العظيم [فصلت ٢٦]، فكلمة (والغوا فيه ) أي: من المعارضة باللغو والباطل ورفع الصوت للتشويش على المتكلم.

فهل يليق بعد ذلك أن يخاف أهلُ الحق والنور من الرآي الآخر؟ هذا لا يعني متابعة الشبهات في مساربها وجحورها، بل سماع الآراء الظاهرة الحاضرة حول قضية معينة، سماع الرأي الآخر إمّا أن يزيد الحق وضوحاً، أو يبين بعض الجوانب التي حصل فيها نقص وخلل، وربما يتبين أن الحق بخلاف ما عهد الإنسان عليه نفسه وقومه، قال تعالى: ﴿۞ قُلۡ مَن یَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُلِ ٱللَّهُۖ وَإِنَّاۤ أَوۡ إِیَّاكُمۡ لَعَلَىٰ هُدًى أَوۡ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ﴾ [سبأ ٢٤]قال المبرد: ومعنى هذا الكلام معنى قول المتبصر في الحجة لصاحبه: أحدنا كاذب وقد عرف أنّه الصادق المصيب، وصاحبه الكاذب المخطىء انتهي. وخولف بين حرفي الجر الداخلين على الهدى والضلال لأنّ صاحب الهدى كأنّه مستعلٍ على فرس جواد يركضه حيث شاء، والضال كأنّه ينغمس في ظلام لا يرى أين يتوجه.

مثال ذلك ما جاء في قصّة (الخضر وموسى عليهما السلام) وقد علم الخضر أنّ موسى عليه السلام لا يطيق صحبته؛ فإنّه سيرى أفعالاً لا يعرف سببها وعلتها، وموسى من أحرار العالم وأذكيائهم، وعقله لا يطيق أن يقتنع دون حجة، أو يقبل بدون علَّة، قال تعالى: ﴿وَكَیۡفَ تَصۡبِرُ عَلَىٰ مَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ خُبۡرࣰا﴾صدق الله العظيم[الكهف ٦٨] قال صاحب كتاب فتح البيان: أي كيف تصبر على علم ظاهره منكر وأنت لا تعلم، ومثلك مع كونك صاحب شرع لا يسوغ له السكوت على منكر والإقرار عليه.

سبحان الله! رغم وجود الحق عند (الخضر عليه السلام ) لم يجعل سيدنا (موسى عليه السلام) يسكت بل أنكر عليه، مع ذلك سمعه، إنّ عقل (موسى عليه السلام ) لا يستطيع أن يصبر على ما لم يُحط بخبره وسببه وعلته، ولا ننسى أنّ الذي دل موسى على الخضر هو الله تعالى، وأنّ موسى خير من يؤمن بالله، وقد حاول جهده أن يقبل دون سؤال، وأن يصبر على ذلك، ولكن غلبته خلقته وفطرتُه السويِّة، قال الله حاكياً على لسان موسى: ﴿قَالَ سَتَجِدُنِیۤ إِن شَاۤءَ ٱللَّهُ صَابِرࣰا وَلَاۤ أَعۡصِی لَكَ أَمۡرࣰا﴾ صدق الله العظيم [الكهف ٦٩].

اجتهاد موسى في صبره وفي معرفته للحق، لم يمنعاه من السؤال، حتى آل الأمر به في ترك صحبته، قال تعالى: ﴿قَالَ إِن سَأَلۡتُكَ عَن شَیۡءِۭ بَعۡدَهَا فَلَا تُصَـٰحِبۡنِیۖ قَدۡ بَلَغۡتَ مِن لَّدُنِّی عُذۡرࣰا﴾ صدق الله العظيم [الكهف ٧٦] .


شارك المقالة: