صاحبة المقولة
ليلى بنت عَديّ بن ربيعة( المُهلهل)؛ شَاعِرة من شَواعر العَرب، وسيّدة مِن سيِدات العرب في الجاهلية؛ وتُعدُّ من أعزِّ نساء العرب، وذات أَنَفَة وكرامة وشَمَم.
والِدها الفارس” المُهلهل عَديّ بن ربيعة”، وعمُّها الملِك” كُلَيب بن ربيعة”، وَزوجها سَيِد قبيلة تغلب” كلثوم بن مالك”، وإبنها شَاعر المُعَلَقة والفارس المُلقب بأعزِّ العرب” عمرو بن كُلثوم”، وحَفيدها سيّد قومهِ” الأسود بن عمرو بن كُلثوم”. وأمُّها” هند بنت بَعج بن عُتَيبة”.
حياتها
قِيلَ أنَّ المُهلهل لمَّا تزوَّج هِنداً فَولدت له بِنتاً؛ حَارَ في أمرهِ وفَكَّر في وأدِهَا على عادة العرب في الجاهلية( دفنها وهي حيّة)، وقال لزوجته: يا بنت عُتيبة ، اقتلي هذه الوليدة لِئلّا نَفتضِح بين العربَ، فأشارت هند بأنّها ستفعل ذلك، ولكنَّ عاطفة الأمومة وصرخات الوليدة مَنعتهَا. فَدَعَت بخادمةٍ أمينةٍ لها، وأمرتها أنْ تُغيِّب الوليدة عنها وتُبعدهَا عن أنظار المهلهل حتى لا يكون نصيبها الوَأد، وأطمأنَّ المهلهل إلى أنَّ العَار الذي لَحِقهُ سيتَلاشى ويُدفَن في رمال الصحراء. فلمَّا نام المهلهل هتفَ به هاتف يقول: كمْ من فتىً مُؤمَّل، وسيّد شَمَردَل، وعُدَّة لا تجهل، في بَطن بنت المُهلهل.
فإستيقظ مذعوراً وقال: يا هند أين ابنتي، قالت: وَأدّتُهَا كما أشَرتَ آنفاً، قال: كلّا وإلهِ ربيعة، فأصدُقِيني، فأخبرتهُ فَقَصَّت عليه قصتها مع الخادمة فقال لها: حسناً فَعلتِ، أحسِنِي غِذائها، وأطلقي عليها اسم ليلى.
زواجها وإنجابها
كبُرَت ليلى فأصبحت فتاة ذات جمال ودَلالٍ وبهاء ودَهاء، فَتزوجت” كُلقوم بن مالك”، أحد أسياد وأشراف بني تَغلِب، فَحَمَلت منه، وإذا بِها في المنام وقد اقترب موعد ولادتها، تسمع من يقول لها: يا لكِ مِن ليلى، وَلدٌ يَقدُم إقدام الأسد، من جُشَم فيه العَدد، أقول قِيلاً لا فَنَد.
فولدت ليلى” عمرو بن كُلثوم”؛ سَيد بني تغلب وفارسهُم وشاعرهُم، وقد سَادهُم وهو صاحب خمسة عشر عاماً فَقَط.
قصة المقولة
قِيلَ أنَّ ملك الحِيرَة” عمرو بن المُنذر” قال ذات يوم لجُلَسائهِ: هل تعلمون أنَّ أحداً من أهل مملكتي يَأنَف أنْ تَخدم أُمَّهُ أُمّي.
وأمّه هيَ” هند بنت الحارث بن حُجر بن الملك آكِل المُرَّار الكِندي”؛ وزوجها الملك” المنذر بن ماء السماء”؛ وبنت أخ الملك والشاعِر” امرؤ القيس بن حُجر”، وإبنها ملِك أيضاً، وادَّعت أنَّها أشرف نساء العرب، لِذا قال إبنها ما قالهُ عِندَئذٍ، فقالوا: لا.. ما خَلا عمرو بن كُلثوم يَأنَفُ ذَلِكَ.
فقال: فَلِم ذلك؟ قالوا: لأنَّ أُمَّه ليلى بنت المهلهل شَاعِر العرب، وعَمّها كُليل بن ربيعة ملِك العرب، وزوجها كلثوم بن مالك أفْرَس العرب، وإبنها عمرو بن كلثوم سيّد وأعزِّ العرب.
فسكتَ” عمرو بن المُنذر” على ما في نفسه، ثمَّ بعثَ إلى عَمرو بن كلثوم يَستَزِيرهُ وأنْ تزور ليلى هنداً. فقِدَم عمرو في فرسان تغلب، ومعه أمّه ليلى، فنزل شاطيء الفرات؛ وبلغ عمرو بن هند قدومه. فأمر بِخيمةٍ فَضُرِبت بين الحِيرَة والفُرات، وأرسل إلى وجوه مملكتِهِ فصنع لهم طعاماً، ثُمَّ دعا الناس إليه فَقَرَّب إليهم الطعام على باب السَّرادِق( خيمة المَلك)، وهو وعمرو بن كلثوم وخَواصٌّ من الناس في السَّرادق، ولأمّهِ هند في جانب السَّرادق قُبّة، وليلى بنت المهلهل مَعها في القبَّة.
وقد قال عمرو بن هند لأمِّه هند :إذا فرَغَ الناس من الطعام فلمْ يَبقَ إلا الطُرَف فَنحِّي خَدَمكِ عنكِ، فإذا دَعوتِ بالطُّرَف، فإستخدمي ليلى بنت المُهلهل ومُرِيهَا فَلتُناولك الشيء بعد الشيء.
ففَعلت هِند ما أمَرها إبنها، حتى إذا دَعا بالطُّرَف قالت هند لِلَيلى: ناوليني ذلك الطَّبق. وقد اشتهرت ليلى بالأنَفَة وعِظَم النَّفس فقالت: لِتَقُم صاحبة الحَاجة إلى حاجتها.
فقالت:ناوليني؛ وألَحَّت هند عليها. فقالت ليلى: واذُلَّاه! يا لِتَغلب!
فَما أنْ سمِع عمرو بن كلثوم ذلك، حتى ثارَ الدَّم في وجههِ والقوم يشربون الخمر. ونَظَرَ عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم، فَعرف الشَّرّ في وجههِ، وقَد سَمِع قول أمِّه: واذُلّاه! يا لتغلب! ، ونظر إلى سيف عمرو بن هند ، وهو مُعلّق بالسُّرادِق، ولمْ يَكُن بالسُّرادِق سيف غيره، فثار إلى السيف مُصلَتاً فَضرب به رأس عمرو بن هند فقتله، ثمَّ خرج فنادى: يا لِتَغلب.
فقامَ الفرسان فإنتهَبُوا مَالهُ وخيلهُ، وسَبوا النساء، وعادوا إلى الجزيرة العربية.
وقد كان المُهلهل بن ربيعة، جَدُّ عمرو، وكلثوم بن مالك أبو عمرو بن كلثوم في أحد الأيام اجتمعوا في بيت كلثوم على شراب، وعمرو يومئذ غلام، وليلى أمّ عمرو تُسقِيهم الشَّراب، فبدأت بأبيها المُهلهل ثمَّ سَقَت زوجها كلثوم بن مالك، ثمَّ رَدَّت الكأس على أبيها وإبنها عمرو عن يَمينها، فغضب عمرو من صَنيعها وقال:
صَبَنْتِ الكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْرٍو | وَكَانَ الكَأْسُ مَجْرَاهَا اليَمِيْنَا | |
وَمَا شَرُّ الثَّلاَثَةِ أُمَّ عَمْـرٍو | بِصَاحِبِكِ الذِي لاَ تَصْبَحِيْنَا |
فَلطَمهُ أبوه وقال: يا لُكَع( أي يا أحمق)، بلى والله شرّ الثلاثةِ. أتجتَري أنْ تَتكلَّم بِهذا الكلام بين يَديّ. فلمّا قُتِل” عمرو بن هند” قالت له أمّه:(بأبي أنت وأمي، أنت والله خيرُ الثلاثةِ اليوم).
وعمرو بن كلثوم التغلبي، أبو الأسود؛ هو شاعر جاهلي مٌجيد من أصحاب المعلقات، من الطبقة الأولى،
وأشهر شعره مُعلّقته التي مطلعها:” ألا هُبّي بِصَحنكِ فأصبحينا”، ويقال: إنها في نحو ألف بيت وإنّما بَقي منها ما حَفظهُ الرُّواة، وفيها من الفخر والحماسة العَجب. وقد اشتُهِر بأنّه شاعر القصيدة الواحدة؛ لأنَّ كلّ ما رُويَ عنه مُعلّقتهُ هذه، وأبيات لا تخرج عن موضوعها.
ومن أبيات شعرِ معلَّقته الشهيرة:
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَا | وَلاَ تُبْقِي خُمُـوْرَ الأَنْدَرِيْنَا | |
مُشَعْشَعَةً كَأَنَّ الحُصَّ فِيْهَـا | إِذَا مَا المَاءَ خَالَطَهَا سَخِيْنَا | |
تَجُوْرُ بِذِي اللَّبَانَةِ عَنْ هَـوَاهُ | إِذَا مَا ذَاقَهَـا حَتَّـى يَلِيْنَا | |
تَرَى اللَّحِزَ الشَّحِيْحَ إِذَا أُمِرَّتْ | عَلَيْـهِ لِمَـالِهِ فِيْهَـا مُهِيْنَا | |
صَبَنْتِ الكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْـرٍوٍ | وَكَانَ الكَأْسُ مَجْرَاهَا اليَمِيْنَا | |
وَمَا شَـرُّ الثَّـلاَثَةِ أُمَّ عَمْـرٍو | بِصَاحِبِكِ الذِي لاَ تَصْبَحِيْنَا | |
وَكَأْسٍ قَدْ شَـرِبْتُ بِبَعْلَبَـكٍّ | وَأُخْرَى فِي دِمَشْقَ وَقَاصرِيْنَا | |
وَإِنَّا سَـوْفَ تُدْرِكُنَا المَنَـايَا | مُقَـدَّرَةً لَنَـا وَمُقَـدِّرِيْنَا | |
قِفِـي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يَا ظَعِيْنـَا | نُخَبِّـرْكِ اليَقِيْـنَ وَتُخْبِرِيْنَا | |
قِفِي نَسْأَلْكِ هَلْ أَحْدَثْتِ صَرْماً | لِوَشْكِ البَيْنِ أَمْ خُنْتِ الأَمِيْنَا | |
بِيَـوْمِ كَرِيْهَةٍ ضَرْباً وَطَعْنـاً | أَقَـرَّ بِـهِ مَوَالِيْـكِ العُيُوْنَا | |
وَأنَّ غَـداً وَأنَّ اليَـوْمَ رَهْـنٌ | وَبَعْـدَ غَـدٍ بِمَا لاَ تَعْلَمِيْنَا | |
تُرِيْكَ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى خَـلاَءٍ | وَقَدْ أَمِنْتَ عُيُوْنَ الكَاشِحِيْنَا | |
ذِرَاعِـي عَيْطَلٍ أَدَمَـاءَ بِكْـرٍ | هِجَـانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأ جَنِيْنَا |