وصف الأزهار في الشعر العربي

اقرأ في هذا المقال


إن مواضيع الشعر المشرقي منذ القدم يتكلم عن حال أهله، فظهرت لنا مواضيع تتمثل بالحماسة والرثاء ووصف المعارك وغيرها، لكن مع التطور والتقدم ظهرت مظاهر جديدة عملت على اندثار بعض المواضيع التقليدية وبروز أخرى جديدة تواكب المجريات التي طرأت والازدهار الذي عمَّ في البلاد، ومن هذه المواضيع وصف البساتين والورود، وفي هذا المقال سنتحدث عن موضوع وصف الأزهار في الشعر المشرقي.

تعريف الجمال

الجمال هو صفة واضحة في الأشياء تبعث في النفس السعادة وسمة واضحة من صفات الوجود ومتوفر في مختلف العناصر سواء أكان من صنع وخلق الله عز وجل، أو صاغة الإنسان في قوالب متعددة من عمران وموسيقى وفن تشكيلي وغير ذلك.

ويعرف الجمال أنّه من الحاجات التي فُطر البشر على عشقها والاستمتاع بها، والتي تلتحم بشكلٍ قوي بالأحاسيس والغريزة بالإضافة إلى الأشياء الحيويّة كالصحّة والفرح، والجمال لا يقف على البشر بل يشمل والبيئة والجمادات وليس هناك أسس دقيقة لقياس الجمال فهو موضوع نسبي يرتبط بالبيئة.

وصف الأزهار في الشعر العربي

إن للازدهار والتطور الذي مرَّ به العرب في حياتهم أثر في نفوسهم، حيث ارتحلوا من حياة الصحراء القاحلة إلى المدن والرياض الغنَّاء والعيش في قصور تحيط بها البساتين من كل جهة وتزينها الأشجار والورود من كل صوب.

ولقد انعكست هذه المشاهد الخلابة على نفسية الأدباء الذين استحدثوا أغراضًا جديدة تواكب هذه المظاهر، ومن هذه المواضيع الحديثة وصف البيئة الخلابة وما تحتويه من مظاهر الجمال وأشكاله، فعمدوا إلى وصف البساتين والرياض وما تحتويه من أنواع الأشجار والزهور الخلابة.

ومثال عليها نرى رياض الأخطل الخضراء التي تعج بالأزهار ومشاهد نزول المطر عليها كأنها زخارف كثيرة الألوان، ورغم جمالها فإنه يرى محبوبته أبهى حيث يقول:

ما رَوضَةٌ خَضراءَ أَزهَرَ نَورُها

بِالقَهرِ بَينَ شَقائِقٍ وَرِمالِ

بَهِجَ الرَبيعُ لَها فَجادَ نَباتُها

وَنَمَت بِأَسحَمَ وابِلٍ هَطّالِ

حَتّى إِذا اِلتَفَّ النَباتُ كَأَنَّهُ

لَونُ الزَخارِفِ زُيِّنَت بِصِقالِ

نَفَتِ الصَبا عَنها الجَهامَ وَأَشرَقَت

لِلشَمسِ غِبَّ دُجُنَّةٍ وَطِلالِ

وذكر رواد الكلام المنظوم العباسي في أبياتهم الأزهار وسحر جمالها وهذا ابن المعتز ينشد:

أما نرى بهجات الروض في السحر

فوق الندى واتساق الورد في الشجر

إذا السحاب سقاها الدجى خلقت

بعد السحب عليها الشمس في البكر

والروض من زهر زاه لنظرته

وكامل منه في الأغصان منتظر

حسبي من الورد توريد الخدود كما

وحسبي بشره محسود من البشر

ونرى أن وصف الجمال والأزهار قد تجلى وبرز في الأدب الأندلسي الذي تفوق على كافة الآداب في ذلك؛ بسبب البيئة الخلابة التي خصَّ الله بها تلك البلاد، وكانت هي الملهم للأدباء وتشحذ قرائحهم، ومن رواد الأدب في الأندلس الذين تأثروا بالطبيعة ووصفوا أزهارها ابن خفاجة حيث يتكلم عن جمال ألوانها ويذكر أسمائها بقوله:

وثلاثةٌ لم تجتمِعْ في مجلِسٍ

إلاّ لمثلِكَ والأديبُ أريبُ

الوَرْدُ في رامِشْنَةٍ مِن نَرْجِسٍ

والياسَمينُ وكُلّهُنّ غريب

فاحمرّ ذا واصفرّ ذا وابيضّ ذا

فبَدَتْ دلائلْ أمرُهُنّ عَجيب

فكأنّ هذا عاشِقٌ وكأنّ ذا

كَ مُعَشَّقٌ وكأنّ ذاكَ رقيب

ورغم هذا التطور والانتقال من البادية إلى المدن والبساتين الغنَّاء، فهذا لا يعني خلو الشعر القديم من وصف الرياض والأزهار ونرى الأعشى يصف روضة:

ما روضة من رياض الحزن معشبة

خضراء جاد عليها مسبل هطل

يضاحك الشمس منها كوكب شرق

مؤزر بعميم النبت مكتهل

كما نرى طرفة بن العبد يصف رؤية أعمق للأقحوان حيث يقول:

بادِنٌ تَجلو إِذا ما اِبتَسَمَت

عَن شَتيتٍ كَأَقاحِ الرَملِ غُر

بَدَّلَتهُ الشَمسُ مِن مَنبَتِهِ

بَرَداً أَبيَضَ مَصقولَ الأُشُر

وَإِذا تَضحَكُ تُبدي حَبَباً

كَرُضابِ المِسكِ بِالماءِ الخَصِر

من أشكال الزهور التي تم ذكرها في الأدب البَهار وهو الأقحوان حيث عمد ابن الرومي إلى تشبيه زهرة البَهار بالشمس وكذلك ذكرها البحتري في أبياته وصفًا صفرتها فأنشد بها :

ضحك البَهار بأرضها وتشقق

فيها عيون شقائق النعمان

وفي النهاية نستنتج إن الأدب في المشرق يعبر عن حال أهله، وظهرت فيه أشكال عديدة تصف الحروب والرثاء وغيره من الأغراض التقليدية، ومع التطور والتقدم ظهرت مواضيع جديدة تواكب المجريات التي طرأت مثل التأثر بالبيئة ووصف مظاهر الجمال فيها كوصف الرياض والزهور الذي تغنت بها الكثير من المقطوعات على مر العصور.


شارك المقالة: