وصف الطبيعة عند ابن الرومي

اقرأ في هذا المقال


أتقن ابن الرومي الكلام المنظوم في الأدب المشرقي بجميع أشكاله فنراه يبدع في الغزل والهجاء كذلك الوصف وخاصة وصف الطبيعة التي كانت ملهم له وملاذ يلجأ إليه هاربًا من هموم الحياة ومتاعبها، ولقد وجد في الطبيعة الكثير من الأشياء التي لم تتوفر له في حياته، وفي هذا المقال سنتحدث عن وصف الطبيعة في مقطوعات ابن الرومي ونذكر أمثلة عليه.

الطبيعة عند ابن الرومي

برز العديد من رواد الأدب في وصف البيئة منهم امرؤ القيس، وذي الرمة وغيرهم، حيث استلهموا من مظاهرها صورهم وتعابيرهم، والبيئة لدى ابن الرومي الملهم الأول وعُرف بولعه بها ووصفها وهي الملجأ الذي سيوفر له كل ما يتمنى.

أطلق على ابن الرومي لقب ” الفاني من الطبيعة “ وهذا يدل على تعلقه الشديد بها ولجأ إلى الوصف الوجداني ليعبر عنها، وبرع في ذلك فقد عمد إلى تصوير ووصف الطيور والحشرات والحيوانات وكل ما يقع تحت نظره ودعم وصفه بالكثير من التشبيهات والاستعارات وخطّ أروع اللوحات لها.

خصائص وصف الطبيعة في شعر ابن الرومي

1- اعتباره البيئة كائن حي، حيث تعلق في هواها وعشقها كعشق المحبوبة، فنرى هذه الخاصية في العديد من أوصافه وخصوصًا عند وصف الربيع والأزهار والشمس.

2- أكثر من الخيال في وصفها وأشرك جميع حواسه فحين يصور الرياض يوظف جميع حواسه من جهة سماع أصوات الطيور وخرير الماء ومشاهدة جمالها بالعين، وشم العبق ورائحة الزهور وغير ذلك ومثال عليه قوله: 

ورياضٍ تخايلُ الأرض فيها

خُيلاء الفتاة في الأبرادِ

ذات وشيْ تناسَجَتْهُ سوارٍ

لَبقاتٌ بحْوكِه وغوادِ

شكرتْ نعمةَ الوليِّ على الوسْ

مِيِّ ثم العِهاد بعد العِهادِ

فهي تُثني على السماء ثناء

طيِّب النشر شائعاً في البلادِ

من نسيمٍ كأنَّ مَسْراه في الأرْ

واح مسرى الأرواح في الأجسادِ

3- كان يتميز في وصفه للبيئة بقدرته الهائلة في التصوير كذلك توظيف الألوان والأشكال لخدمة ذلك.

4- استخدام التشخيص في وصفه لها وإعطائها الإحساس والحياة الإنسانية ومثال عليه وصفه إلى شجرة العوسج:

عَذَرْنَا النَّخل في إبداء شوكٍ

يذودُ به الأناملَ عن جناهُ

فما للعَوْسج الملعون أبدى

لنا شوكاً بلا ثمرٍ نراهُ

تُراه ظنَّ فيه جَنىً كريماً

فأظهر عُدَّةً تحمي حماهُ

ويظهر التشخيص واضحًا في وصفه للشمس حيث يقول:

وقد رتقت شمس الأصيل ونقضت

على الأفق الغربي ورسًا مدَعدعا

ولاحظت النوار وهي مريضةٌ

وقد وضعت خدًا إلى الأرض تضرعا

وصف الطبيعة الحية في شعر ابن الرومي

البيئة الحية هي كل المخلوقات المتحركة من طيور وحشرات وحيوانات والتي عمد ابن الرومي إلى وصفها بدقة متناهية وبأسلوب صادق، وفي وصفه للطيور يقول واصفًا رحلة الصيد مع رفاقه ما يلي:

وقد أغتدي للطير والطير هجَّعٌ

ولو أوجست مغداي ما بتن هجَّعا

بِخِلَّيْنِ تمَّا بي ثلاثةَ إخوةٍ

جسومهم شتى وأرواحهم معا

بني خلَّةٍ لم يفسد المحل بينهم

ولا طمع الواشون في ذاك مطمعا

مطيعين أهواءً توافدت على هوى

فلو أُرسلت كالنبل لم تعدُ موقعا

تُجلِّي عيون الناظرين فُجاءةً

لنا منظراً مُروىً من الحسن مُشبعا

كما نراه يصف الطيور المائية ويشبهها ببنات الماء ويصور لنا مشهدها وهي فوق الماء وسطوع الشمس عليها يقول: 

كـأن بنات المــاء فــي شـرح مــتــنــه

إذا مـــا عــلى رَوقُ الضـحــى فــتـرفَّعــا

تـريـك ربـيـعــاً فـــي خـريـف وروضــةٍ

عـــلى لُجَّة بــدعــا مــن الأمــر مــبــدعــا

تخايل فوق الماء زهواً كما زهت

عـوائدُ عـيــد مـــا ائتليـــن تــصــنُّعــا

تــلبَّس أصــنـافـاً مـن البـزِّ خـلقـةً

حــريــراً وديـبــاجـاً وريــطــاً مُــقَــطَّعــا

كما عَمِد ابن الرومي إلى وصف أنثى العقاب ليصور لنا ريشها الأسود ويتحدث عن صفاتها:

ولا لِقوة شعواء تُلحم فرخها

خداريَّةٌ شمَّاء في شاهق أشَمْ

بكورٌ على الأقناص غيرُ مُخلَّة

كأنَّ بها في كل شارقةٍ وحَمْ

تبيتُ إذا ما أحجر القُرُّ غيرَها

تُرَقْرِقُ رفْضَ الطَّلِّ في رِيشها الأحمْ

ثم يتحدث عن قدرتها الهائلة في الصيد فهي لا تشعر بالجوع بسبب قوتها ويقول:

بكور على الأقراص غير مخلةٍ

وكأنها في كل شارقةٍ وحم

ومن الطيور التي برع ابن الرومي في تصويرها الظليم، وهو من الطيور الجارحة القوية يعيش في الصحراء ويقول فيه:

ولا نقنق خاظي البضيع صحيح

من الاكلات النار تأتي في الفحم 

ومن وصفه للحشرات فقد توجه إلى تصوير أصغر الحشرات ومنها نعته للذباب وتشبيهه برجل سكران فأنشد:

وغرد ربعي الذباب خلاله

كما حثحث النشوان صنجا مشرعا

ومن الحشرات أيضًا العنكبوت حيث قام بوصفها والحديث عن أسلوبها في الصيد ويقول فيه:

أعجب مستفاد

أفاد في زماني

من الفهود فهد

في الاسم والعيان

كما توجه ابن الرومي إلى وصف الحيوانات بجميع أشكالها سواء أكانت أليفة أو مفترسة، وعن الأسد يتحدث ابن الرومي واصفًا شجاعته كما يلي:

فما أسد جهم المحيا شتيمه

قصا قصة ورد السيال غضنفر

مسمى بأسماء فمنهن ضيغم

ومنهن ضرغام ومنهن قسور

ولم يغفل ابن الرومي عن وصف الثور الوحشي وخصوصًا في رحلته التي انطلق بها من أجل الصيد وظهر في أبياته في وصف الثور أنها صور من وحي خياله حيث يقول:

وقد اغتدِي للوحش والوحشُ هُجَّدٌ

ولو نَذِرَتْ بي لم تبت وهي هُجَّدُ

فيشقَى بيَ الثورُ القَصِيُّ مكانُهُ

بحيث يراعيه الأَصَلُّ الخَفَيْدَدُ

ترى كل ركَّاع على كلِّ مَرْتَعٍ

يخرُّ لرمحي ساجداً بل يُسَجَّدُ

إذا غازَلته بالصريم نِعَاجُه

كما غازلتْ زِيراً أوانسُ خُرَّدُ

أمَرْتُ به رمحاً غيُوراً فخاضهُ

ذَليقاً كما شَكَّ النَّقيلة مِسْرَدُ

العوامل المؤثرة في شخصية ابن الرومي

1- الظروف القاسية التي عاشها لها أثر واضح في تأسيس شخصيته ومقطوعاته ودفعته للتعبير عن هذه الأحاسيس تجاه زمانه.

2- إن مقطوعاته انعكاس لحياته في مجتمعه حيث تحدث فيها وعبر عن تفاصيلها من خلالها.

3- أبرز الأسباب التي أثرت في شخصيته شعوره المرهف، لذلك نرى أن مقطوعاته تحاكي المشاعر وهذا ما اتسمت به مقطوعاته.

4- التوتر السياسي والعقائدي الذي عاشه وكان له أثر في بناء شخصيته ووقعٌ في مقطوعاته.

5- تأثر الأديب بالخراب الواقع على المدينة وتوجه إلى وصف أعمال الزنج من تعذيب الناس فنطم مقطوعته رثاء البلدان.

6- تأثُره الواضح بالثقافات الأعجمية التي ظهرت في ذلك الوقت وخصوصًا الفلسفية منها.

وفي النهاية نستنتج إن ابن الرومي عمد إلى وصف البيئة وبرع في ذلك فقام بتصوير الأشكال الحية كالحيوانات، ولقد كان ابن الرومي متعلق بالبيئة كثيرًا فهي الملجأ الوحيد له للهروب من هموم الحياة ومتاعبها.


شارك المقالة: