وللحريّة الحمراء بابٌ...بكلِّ يَدٍ مضَرَّجَةٍ يُدقُّ

اقرأ في هذا المقال


انتصار الإنسان لتُراثه وتارِيخه وصُمودهِ ومُستقبله، إشارة من إشَارَاتِ التَّغيير والتَّحدِيث، ورَسم الخُطَى للبدايات المَنشودة والآمال المُنتَظَرة.

شاعِرٌ يعبُرُ بقَصيدتهِ العَصمَاء صفحات التاريخِ كَطَائر مُلَوَّن، يقفز من مِصر، ومن شواطيء النيل، إلى مزارع الشّام، ووادي بَردَى، وكأنّه أرادَ أنْ يقول قصيدةً تتناسب مع مرور الزَّمن، حيث سجّلها فأضَاءَت لهُ ديوانَ الشَّوقيّات.

صاحب المقولة

أمير الشعراء؛ أحمد بن علي بن أحمد شوقي، شاعر وأديب مصري، وُلد في شهر تشرين أول سنة 1868م، في حَي الحَنَفي في مدينة القاهرة القديمة. كان أبوه كُردي، وأمّهُ من أصول تركية شركسية، بايعه الشعراء العرب سنة 1927م أميراً للشعراء، حيث كان حينها أكبر مجددي الشعر العربي المعاصرين، اشتهر بالشعر الديني والوطني، ويعتبر رائداً للشعر العربي المسرحي.

نشأة أحمد شوقي

نشأ أحمد شوقي مع جدته لأمّه التي كانت على قدر كبير من الثَّراء والغِنَى، فقد كانت تعمل وصِيفَة في قَصر الخِديوي إسماعيل، فتكفلت بتربيته منذ صِغَره، ونشأ معها في القصر. وفي سِنِّ الرابعة من عُمره التحقَ أحمد شوقي بِكُتّاب الشيخ صالح في حي السَّيدة زينب، فحفظ جزءاً من القرآن الكريم، وتعلَّمَ مَبادئ القراءة والكتابة، ثُمَّ دخل بعد ذلك المدرسة الابتدائية، ثم الثانوية، وأظهر تَفوّقاً عالياً كوفئ عليه بإعفائه من الرّسوم الدراسية.

وعندما بلغَ سِنّ الخامسة عشر من عمره، التحق بمدرسة الحُقوق والتَّرجمة، والتحقَ بقسم الترجمة، وبعد تَخرّجه سنة 1887م؛ سافر إلى فرنسا على نَفقة الخِديوي تَوفيق، وتابع دراسة الحقوق في جامعة مُونبِليه، حيث اطلَّعَ على الأدب الفرنسي، وعاد إلى مصر سنة 1891م.

بعد رجوعه من فرنسا سنة 1891م، عُيّنَ رئيساً للقَلم الإفرنجي في ديوان الخِديوي عباس حلمي، وفي سنة 1896م انُتدِبَ لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المُستَشرقين الذي عُقِد في جِنيف في سويسرا.

 موهبة أحمد شوقي الأدبية

ظهرت مَوهبة أحمد شوقي الشِّعرية، عندما كان طالباً في مدرسة الحقوق، حيث حَرِصَ خلال فترة وجوده في فرنسا على إرسال قصائد في مدح الخِديوي توفيق، مِمَّا أهَّلَهُ بعد عودته إلى مصر أن يصبح شاعر القصر المُقرَّب من الخديوي عباس حلمي الذي تَولَّى الحُكم بعد وفاة والده الخديوي توفيق. ويُرجِع النُّقاد التزام أحمد شوقي بالمديح للأسرة الحاكمة في مصر؛ إلى عِدّة أسباب منها:

أنَّ الخديوي هو وَليّ نعمة أحمد شوقي، وثانياً الأثر الديني الذي كان يُوجّه الشّعراء على أنَّ الخلافة العثمانيّة، هي خِلافة إسلاميّة؛ وبالتالي وجَبَ الدفاع عن هذه الخلافة.

انكَبَّ أحمد شوقي على قراءة دواوين فحول الشعراء حفظًا واستظهارًا، فبدأ الشعر يجري على لسانه. وفي هذه الفترة بدأت موهبته الشعرية تَلفِت نظرَ أستاذه الشيخ محمد البَسيونِي، ورأى فيه مشروع شاعر كبير.

وطُوال فترة إقامته بأوروبا، ظَلَّ قلبه مُعلقاً بالثقافة العربية وبالشعراء العرب الكبار وعلى رأسهم الشاعر الكبير المتنبي. وتأثر أيضاً بالثقافة الفرنسية، فتأثَّرَ بالشعراء الفرنسيين وبالأخص راسين؛ ومُوليير.

منفى أحمد شوقي

بعد عودة أحمد شوقي إلى الوطن، نُفِيَ إلى إسبانيا سنة 1914م بعد مهاجمته للإحتلال البريطاني، وخلال فترة نَفيهِ تعلَّم اللغة الإسبانية، وقرأ كتب التاريخ الخاصة بالأندلس، واطَّلعَ على روائع الأدب العربي، وعلى مظاهر الحضارة الإسلامية في الأندلس، ونظم العديد من أبيات الشعر إشادةً بها، وزار آثار وحضارة المسلمين في قرطبة وإشبيلية وغرناطة، قبل أن يعود إلى وطنه سنة 1920م.

أعمال أحمد شوقي

جمع أحمد شوقي شِعره في ديوانه الشَّوقيَّات الذي صَدرَ في أربعة أجزاء، واشتهر أمير الشعراء بشعر المناسبات الوطنية والاجتماعية، والشعر الدِّيني الذي خَصّصَ له العديد من القصائد، ومنها: الهمزية النبوية، ونهج البردة، كما توجد له مَلحَمة رَجزِيَّة طويلة بلغت 1726 بيتاً، بعنوان: دول العرب وعظماء الإسلام نظمها في منفاه في الأندلس.

كما كتب العديد من المسرحيات الشعرية؛ ومنها: علي بك الكبير، ومجنون ليلى، ومصرع كليوباترا، وقمبيز، وعنترة، وأميرة الأندلس، والست هدى، وشريعة الغاب، والبخيلة، وكتب أيضاً الروايات؛ ومنها: عذراء الهند والفرعون الأخير.

ومن ديوانهِ الشّوقيّات؛ كانت قصيدته التي منها البيت الذي يقول:

“وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ… بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ”؛ فهذه القصيدة ألقاها أمير الشعراء، أحمد شوقي في حفلة أقِيمَت في القاهرة سنة 1926م لمواساة سوريا ولإغاثة منكوبي العدوان الفرنسي على دمشق عندما قصفت بالقنابل. وهذه بعض أبيات هذه القصيدة:

سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ
وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ

وَمَعذِرَةُ اليَـــراعَةِ وَالقَوافي
جَلالُ الرُزءِ عَن وَصفٍ يَدِقُّ

وَذِكرى عَن خَواطِرِها لِقَلبي
إِلَيكِ تَلَفُّــــــــــــتٌ أَبَدًا وَخَفقُ

وَبي مِمّا رَمَتكِ بِــــهِ اللَيالي
جِراحاتٌ لَها في القَلبِ عُمقُ

دَخَلتُكِ وَالأَصيلُ لَـــــــهُ اِئتِلاقٌ
وَوَجهُكِ ضاحِكُ القَسَماتِ طَلقُ

وَتَحتَ جِنانِكِ الأَنهارُ تَجري
وَمِلءُ رُبـــاكِ أَوراقٌ وَوُرْقُ

وَحَولي فِتيَةٌ غُــــــــرٌّ صِباحٌ
لَهُم في الفَضلِ غاياتٌ وَسَبقُ

عَلى لَهَواتِهِم شُــعَراءُ لُسنٌ
وَفي أَعطافِهِم خُطَباءُ شُدقُ

رُواةُ قَصائِدي فَاعجَب لِشِعرٍ
بِكُلِّ مَحَــــــــــلَّةٍ يَرويهِ خَلقُ

غَمَزتُ إِباءَهُمْ حَــــتّى تَلَظَّتْ
أُنوفُ الأُسدِ وَاضطَرَمَ المَدَقُّ

وَضَجَّ مِنَ الشَكيمَةِ كُلُّ حُرٍّ
أَبِيٍّ مِن أُمَيَّـــــــةَ فيهِ عِتقُ

لَحاها اللهُ أَنبــــــاءً تَوالَتْ
عَلى سَمعِ الوَلِيِّ بِما يَشُقُّ

يُفَصِّلُها إِلـــى الدُنيا بَريدٌ
وَيُجمِلُها إِلى الآفاقِ بَرقُ

تَكادُ لِرَوعَةِ الأَحــــــداثِ فيها
تُخالُ مِنَ الخُرافَةِ وَهيَ صِدقُ

وَقيلَ مَعالِمُ التاريخِ دُكَّتْ
وَقيلَ أَصابَها تَلَفٌ وَحَرقُ

أَلَستِ دِمَشقُ لِلإِسلامِ ظِئرًا
وَمُرضِعَةُ الأُبُـــــوَّةِ لا تُعَقُّ

صَلاحُ الدينِ تاجُكَ لَم يُجَمَّلْ
وَلَمْ يوسَمْ بِـــأَزيَنَ مِنهُ فَرقُ

وَكُلُّ حَضارَةٍ في الأَرضِ طالَتْ
لَها مِن سَرحِـــكِ العُلوِيِّ عِرقُ

سَماؤُكِ مِن حُلى الماضي كِتابٌ
وَأَرضُكِ مِن حُـــلى التاريخِ رَقُّ

بَنَيتِ الدَولَةَ الكُبرى وَمُلكًا
غُبارُ حَضـــــارَتَيهِ لا يُشَقُّ

لَهُ بِالشامِ أَعلامٌ وَعُرسٌ
بَشائِرُهُ بِأَنـــــــدَلُسٍ تَدُقُّ

رُباعُ الخلدِ وَيحَكِ ما دَهاها
أَحَقٌّ أَنَّهـــــــــا دَرَسَت أَحَقُّ

وَهَل غُرَفُ الجِنانِ مُنَضَّداتٌ
وَهَل لِنَعيمِهِنَّ كَـــأَمسِ نَسقُ

وَأَينَ دُمى المَقاصِرِ مِن حِجالٍ
مُهَتَّكَةٍ وَأَستــــــــــــــــارٍ تُشَقُّ

بَرَزنَ وَفي نَواحي الأَيكِ نارٌ
وَخَلفَ الأَيــــــكِ أَفراخٌ تُزَقُّ

إِذا رُمنَ السَلامَةَ مِن طَريقٍ
أَتَت مِن دونِهِ لِلمَــوتِ طُرقُ

بِلَيلٍ لِلقَـــــــــذائِفِ وَالمَنايا
وَراءَ سَمائِهِ خَطفٌ وَصَعقُ

إِذا عَصَفَ الحَديدُ احمَرَّ أُفقٌ
عَلى جَنَباتِهِ وَاســـــــوَدَّ أُفقُ

سَلي مَن راعَ غيدَكِ بَعدَ وَهنٍ
أَبَينَ فُؤادِهِ وَالصَـــــــخرِ فَرقُ

وَلِلمُستَعمِرينَ وَإِن أَلانوا
قُلوبٌ كَالحِجـــارَةِ لا تَرِقُّ

رَماكِ بِطَيشِهِ وَرَمى فَرَنسا
أَخو حَربٍ بِهِ صَـلَفٌ وَحُمقُ

إِذاما جــــــــــاءَهُ طُلّابُ حَقٍّ
يَقولُ عِصابَةٌ خَرَجوا وَشَقّوا

دَمُ الثُوّارِ تَعرِفُهُ فَرَنسا
وَتَعلَمُ أَنَّـــــهُ نورٌ وَحَقُّ

جَرى في أَرضِها فيهِ حَياةٌ
كَمُنهَلِّ السَماءِ وَفيـهِ رِزقُ

بِلادٌ مــــــاتَ فِتيَتُها لِتَحيا
وَزالوا دونَ قَومِهِمُ لِيَبقوا

وَحُرِّرَتِ الشُعوبُ عَلى قَناها
فَكَيفَ عَلــــــى قَناها تُستَرَقُّ

بَني سورِيَّةَ اطَّرِحوا الأَماني
وَأَلقوا عَنكُمُ الأَحــــــلامَ أَلقوا

فَمِن خِدَعِ السِياسَةِ أَن تُغَرّوا
بِأَلقابِ الإِمـــــــارَةِ وَهيَ رِقُّ

وَكَمْ صَيَدٍ بَـــــدا لَكَ مِن ذَليلٍ
كَما مالَتْ مِنَ المَصلوبِ عُنقُ

فُتوقُ المُلكِ تَحدُثُ ثُمَّ تَمضي
وَلا يَمضي لِمُخــــــتَلِفينَ فَتقُ

نَصَحتُ وَنَحنُ مُختَلِفونَ دارًا
وَلَكِن كُلُّنا فـــــــي الهَمِّ شَرقُ

وَيَجمَعُنا إِذا اختَـلَفَت بِلادٌ
بَيانٌ غَيرُ مُخــتَلِفٍ وَنُطقُ

وَقَفتُمْ بَينَ مَــــــوتٍ أَو حَياةٍ
فَإِن رُمتُمْ نَعيمَ الدَهرِ فَاشْقَوا

وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ
يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ

وَمَن يَسقى وَيَشرَبُ بِالمَنايا
إِذا الأَحرارُ لَم يُسقوا وَيَسقوا

وَلا يَبني المَمالِكَ كَالضَحايا
وَلا يُدني الحُقوقَ وَلا يُحِقُّ

فَفي القَتلى لِأَجيـــــــــالٍ حَياةٌ
وَفي الأَسرى فِدًى لَهُمُ وَعِتقُ

وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمــراءِ بابٌ
بِكُلِّ يَدٍ مُضَــــرَّجَةٍ يُدَقُّ

وفاة أحمد شوقي

توفي أمير الشعراء في شهر تشرين الأول سنة 1932م، بعد أن أتم نظم قصيدة طويلة يُحَيّي بها مشروع القِرش الذي نهض به شباب مصر خلال تلك الفترة، وظل أحمد شوقي محل تقدير الناس، ولسان حالهم، وموضع إعجابهم حتى وقتنا الحالي؛ بعد أنْ ترك لنا موروثاً شعريَّاً وأدبيّاً ومسرحيّاً كبيراً.


شارك المقالة: