المرأة التي ضُرِبَ المَثَلُ فيها:
امرأة من مكة، تُسمَّى رَيطَة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تمِيم بن مُرَّة التَّميميّة؛ من بني تميم من قُريش. وسُمّيت جُعرَانَه لحماقتها، وكانت بها وَسْوَسَة، كانت وحيدة أبيها ووَرِثت عنه مال لا حَصرَ له ، مَرَّ الزَّمن ولمْ تتَزوَّج، وماتت والدتها وتركتها وحيدة.
فى يوم من الأيام جاءتها خَالتهَا وَطَلبتهَا لإبنها الذي كان يَصغُرها، ولمْ تُصدِّق رَيطَة نفسها ووافقت. ولكن لمْ يَستَمرّ الزواج كثيراً، بل أخذ منها ما إستطاع من المال ثمَّ هَجَرهَا؛ وباتَت تَنتظِره كلَّ يوم على أمل العودة ولكنّه لمْ يعود. وكانت تُسمّى” خَرقاء مكّة”؛ أو” حمقاء مكّة”.
وروى ابن مَردَوَيه، عن ابن عَطاء؛ أنَّها شَكَت جُنونهَا إلى رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_؛ وطلبت أنْ يَدعو لها بالمُعافَاة، فقال لها عليه الصَّلاة والسَّلام:( إنْ شِئتِ دَعوتُ، فَعافَاكِ الله تعالى، وإنْ شِئتِ صَبرتِ واحتَسبتِ، ولَكِ الجَنّة)؛ فاختارت الصَّبر والجنَّة.
قصة المثل
كانت إمرأة تُسمّى خَرقَاء مكة، وقال مُقاتل بن سليمان وهو[ من أعلام مُفسّري القرآن الكريم، وله تفسير اسمه” تفسير مُقَاتل”]، قال: أنّها أسلمت بمكة، وتُسمّى رَيطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مُرّة، وقال ابن عاشور،( وهو من الفقهاء والمُفسّرين المُحدَثين)؛ قال عنها: كانت معروفة عند المُخَاطَبِين، فعَرفُوها بوَصفِها، ولم يكُنْ لها نظيرٌ في فِعلها ذلك، فقد ذُكر أنها كانت امرأة خَرقاء مُختلّة العقل، ولها جَوارٍ، وقد اتّخذت مِغْزلاً قَدرَ ذراع، وصِنّارَة مثل أصبع، وَفَلْكَةً عظيمة على قدر ذلك، فكانت تَغزِل هي وجَوارِيها من الغَدَاةِ إلى الظُّهر، ثمَّ تَأمُرهُنَّ، فَتَنقُض مَا غَزَلتهُ، وهكذا تفعل كل يوم.
ومن يومها صارت” رَيطَة” مَضرباً لِلمَثل، وهي المرأة التي قال الله عزوجل، فيها:{ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.
فَشبَّهت هذه الآية الذي يَحلِف ويُعاهِد ويُبرِم عَهدَهُ ثمَّ يَنقُضهُ؛ بالمرأة تَغزِل غَزلَها وتَفتِلهُ مُحكَماً، ثمَّ تَحلُّه، فيعود كما كان دون فائدة؛ وذلك لِحُمقهَا.
فكذا الذي يُعطي العهد ثمَّ يَنقُضهُ؛ لا هو وَفَّى بالعهدِ إذا أعطاه، ولا هو تركَ العَهد فَلمْ يُعطهِ.
وقد ذكرَ بعض الشعراء هذا المثلَ في شِعرهم، ومن ذلك قول ابن الخطيب:
وَالْحَقُّ فِي أَوْصَافِهَا أَنَّهَا
خَرْقَاءُ حُسْنٍ وَجَدَتْ صُوفَا